على ضوء ما نشرته مجلة الموسم الثقافية:
علماء وأدباء ومفكرون يشيدون بجهود الشيخ الصفار التنويرية
الشيخ الصفار ظاهرة متميزة في الاعتدال والتنوير الديني
ثقافة التسامح والتعددية خطوات أولى للوحدة
قبول الآخر والحوار معه خيار الأمة لمكافحة التخلف
من خلال إصدار في مجلدين كبيرين لمجلة "الموسم" التي تصدرها أكاديمية الكوفة من هولندا تم رصد ـ وتفصيل ـ معالم السيرة الثقافية الاجتماعية للشيخ حسن الصفار، إذ تطرقت إلى جوانب ذات علاقة بنشاطه الفكري، والفعاليات التي شارك فيها، والطروحات التي عرضها خلال سني التجربة التي تتجاوز الخمسين عاما، تناولت العديد من الموضوعات ذات العلاقة بالدين ودوره في الحياة الاجتماعية.
فالمجلدان اللذان حملا رقمي (172، و173) تطرقا إلى جوانب عديدة في التجربة، ليس من كتب وخطابات رائدها الشيخ حسن الصفار فقط، بل من أكثر من جهة، وأكثر من (100 شخصية عامة) تابعت أو تأثرت، أو تفاعلت مع التجربة، أو أطلعت على شيء منها، وبعض هذه الشخصيات قدمت أكثر من مشاركة، متناولة أكثر من جانب من جوانب الحياة الثقافية والتجربة العملية للشيخ الصفار.
المجلة التي تعنى بالتراث العربي والإسلامي والحضارة الإنسانية، منذ تأسيسها 1989م ويصدرها الأستاذ محمد سعيد الطريحي، تناولت مجمل الأنشطة والفعاليات التي قام بها، أو شارك فيها الشيخ الصفار.
ويمكننا من خلال قراءة سريعة للعددين (المجلدين، اللذين تبلغ صفحاتهما أكثر من 1600 صفحة من القطع الكبير)، نقف على تفاصيل تجربة حيّة عمرها أكثر من خمسة عقود من الزمن، وخلال هذه الفترة شهدت الأمة تحوّلات مفصلية، منها ما هو إيجابي مثل ارتفاع مستوى الوعي العام لدى أبناء الأمة بكل ما يجري لها ويجري حولها، ومنها ما هو سلبي مثل تفاقم الصراعات خصوصا الآتية من منطلقات فئوية وقومية وطوائفية.
ورغم أن معظم ما ذكر يمكن أن يدخل في نطاق السيرة الذاتية، إلّا أن الشيء الثابت والذي قد لا يختلف عليه اثنان هو أن الشيخ حسن الصفار يتحدث ويبدع من أصول دينية، ويتطرق إلى هموم وطنه أولا، وطائفته وأمته العربية والإسلامية ثانيا، وبالتالي فالتجربة ـ المرصودة هنا ـ لا يمكن أن نجعلها ذاتية بالكامل، فهو يمثل تيارًا تنويريًا منفتحًا في الأمة الإسلامية.
من هنا ـ وعلى ضوء ما حواه المجلدان ـ نجد أنفسنا أمام تجربة تيار ثقافي وحراك اجتماعي، كان للشيخ الصفار الدور الأساس في صياغة معالمه، وقيادة أنشطته، وتوجيه مسيرته، هذا التيار يتبنّى قيمًا إسلامية ثابتة مثل: الحوار، الحب، الحرية، التسامح، الانفتاح، التعايش .....الخ، كل هذه القيم تم التطرق لها في هذين المجلدين، وقد جسدها الشيخ الصفار في طروحاته، وفي سلوكه اليومي، ومسيرته العملية منذ خمسة عقود مضت ولا تزال مستمرة إلى اليوم.
يذكر أن مجلة الموسم التي تأسست في العام 1989 قد نشرت العديد من الأبحاث والدراسات عن التراث الثقافي والأدبي والعلمي للمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية (القطيف والأحساء)، وذلك ضمن نطاق اهتمامها بالتراث العربي الإسلامي والحضارة الإنسانية، وقد توّجت اهتمامها هذا بأن قدمت هذين الإصدارين اللذين تم تقسيمهما على عدة فصول:
الفصل الأول: في السيرة الذاتية
وقد تضمن قصة حياة الشيخ حسن الصفار من الطفولة، والمراحل (والتجارب الشخصية والعامة) التي مرّ بها، بقلمه شخصيًا تحت عنوان: (ظلال من الذاكرة) كما تناول الأستاذ حسين منصور الشيخ سطورًا من حياة الشيخ الصفار، وتناول الأستاذ علي المحمد علي سيرة الشيخ الصفار الحوزوية، واختتم هذا الفصل بحوار أجرته الصحفية هبة الزاهر مع زوجة الشيخ الصفار خاتون البحارنة.
الفصل الثاني: المشروع الثقافي
وقد تم خلال هذا الفصل استعراض أبرز وأهم مؤلفات الشيخ حسن الصفار، واستعراض معالم المشروع الثقافي الذي يتبنّاه الشيخ الصفار، من خلال عرض ومشاركة عدد كبير من المثقفين والمفكرين من البلاد وخارجها، إذ تم رصد رأي أكثر من 40 شخصية حيال هذا المشروع.
الفصل الثالث: في التجربة الإعلامية
ويعرض هذا الفصل صورًا من الحضور الإعلامي للشيخ الصفار، الذي عدَّ ضمن قائمة 500 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي، وقد عرض هذا الفصل المكاشفات التي نشرها الإعلامي السعودي عبدالعزيز قاسم في جريدة المدينة، والتي هي بمثابة قراءة لقصة حياة الشيخ حسن الصفار، وتوجّهاته الفكرية، ومواقفه الوطنية، بصورة صريحة إلى درجة الشفافية. كما تم عرض عدد من المقالات والمقابلات الصحفية التي أجريت مع الشيخ في وسائل الإعلام.
الفصل الرابع: في الساحة الإسلامية والعالمية
ويعرض هذا الفصل جملة من المشاركات الفكرية والثقافية للشيخ الصفار في مختلف الفعاليات التي تمت خلال العقود الثلاثة الماضية في البلاد وخارجها، والتي من خلالها يمكن معرفة رؤية الشيخ الصفار حيال العديد من القضايا التي تهم الإمة العربية والإسلامية. يذكر ـ في هذا الصدد ـ أن المشاركات التي تم التطرق لها كانت في دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق، ولبنان، وسوريا، وإيران، وتركيا، وامريكا، وبعض الدول الأفريقية
الفصل الخامس: في الريادة الخطابية
بحكم أن الشيخ الصفار قد ابتدأ حياته العملية كخطيب منبري، وانطلق من خلال ذلك إلى عالم أرحب، فكانت له سماته الخطابية الخاصة، وقد تم خلال هذا الفصل رصد التجربة من خلال قراءات لعدد من المتابعين وقارئي تجربة الشيخ الصفار في هذا المجال.
الفصل السادس: المشروع الوطني
وكان هذا الفصل هو الأكثر مشاركة من قبل عدد من الكتاب والباحثين وقد تم تسليط الضوء على ما قدّمه الشيخ الصفار من مشاركة فعالية حيوية ـ في وقت حساس خطير ـ من رؤية للإصلاح وتعميق حب الوطن، وتحقيق التسامح والسلم الاجتماعيين.
الفصل السابع: في العمل الاجتماعي
وخلال هذا الفصل تم رصد مجموعة الأنشطة التي قام بها الشيخ الصفار لتعميق جملة من القيم ذات الأساس الديني، ولها التأثير الكبير على حياة الأفراد والجماعات، من قبيل العمل التطوعي، ودعم المؤسسات ذات النفع العام كالجمعيات الخيرية والأندية الرياضية.
الفصل الثامن: في مرآة الشعر
ويرصد هذا الفصل مشاركة ثمانية وعشرين شاعرًا من داخل وخارج المملكة، أشادوا بشخصية الشيخ الصفار، واحتفوا بمواقفه الوطنية والدينية والاجتماعية.
الفصل التاسع: وثائق وإجازات
وفي هذا الفصل عرض لصور أربعة عشر إجازة ووكالة حظي بها الشيخ الصفار من قبل علماء ومراجع دين راحلين ومعاصرين، من العراق ولبنان وإيران، في طليعتهم المرجع الأعلى المعاصر السيد علي السيستاني، والمرجع الأعلى الراحل السيد محمد رضا الگلبایگانی، منحوا ثقتهم للشيخ الصفار واعتمدوه ممثلًا عنهم في أداء الوظائف الدينية.
كما تم خلال هذا الفصل عرض جملة من المراسلات التي تمت بين الشيخ الصفار وعدد من العلماء والشخصيات، تدور حول القضايا الدينية والاجتماعية، والهموم المشتركة.
الفصل العاشر: الصور
وهذا الفصل يعرض عددًا كبيرًا من الصور للقاءات ومقابلات واجتماعات الشيخ الصفار مع عدد من الشخصيات البارزة محليًا وخارجيًا.
الباحث الطريحي
مؤسس المجلة ورئيس تحريرها الباحث محمد سعيد الطريحي قال في مقدمة المجلدين أنه قام بإعداد ونشر هذه السيرة لمبررات عدة أبرزها "إن سماحة الشيخ حسن الصفار شخصية علمائية محترمة من المملكة العربية السعودية، أوقف حياته على الخدمة الدينية والفكرية والاجتماعية للمجتمع....."، وهو "واحة أمن ووئام، عربي النبعة والنزعة اللسان والبيان... وإنه رجل يتوخى الحق ويتبعه حيثما لاح له، وهو مع ما يتميز به من سعة الأفق ونبل الخلق ورقة الشمائل صاحب همّة واجتهاد، كما تدل عليه بحوثه وكتبه وخطبه وندواته التي بلغت مجلدات كثيرة، وتضمنت قراءاته الواعية لسيرة وأعمال أئمة أهل البيت عليهم السلام، وإتحاف الموالين بدراسات وأبحاث قيّمة فيها الكثير من التحليل والدروس المستفادة من مناقبهم وتعاليمهم السامية" (4 /172)
ويؤكد الطريحي ـ بناء على ذلك ـ إن هذين المجلدين جاءا لرصد تجربة غنية ومتنوعة في العمل الاجتماعي والفكري، تمتع بها الشيخ حسن الصفار، قرنت بحصيلة باذخة وخبرة موسوعية من المعارف الدينية ومنهجية علمية وسطية. (6 /172).
الطريحي وضمن عرض مبررات إعداد هذين المجلدين لم يفته أن يشير إلى أن ثمة معالم في تجربة الشيخ حسن الصفار تستحق التوقف والبحث والقراءة، منها تجارب الحوار مع الآخر، وأنشطة التقريب وزرع ثقافة التسامح والسلام بين أبناء الوطن العربي والإسلامي الكبير، فضلا عن المجتمع المحلي الأصغر.
تبعا لذلك، أشاد الطريحي بتجربة الشيخ الصفار في اهتمامه بالتراث العربي الإسلامي "خاصة تراث بلاده العريق، الذي يضاف إلى اهتماماته الأدبية والفكرية التي تجلّت في الكثير الطيّب من غزير إنتاجاته المطبوعة التي تؤلف مكتبة تضاف إلى مكتبته الكبرى التي أسسها في مدينة القطيف خدمة للمثقفين الباحثين، وللأجيال القادمة في بلده، ففتح بها آفاقا رحبة وأثار الرغبة وأذكى الشوق لمواصلة طريق العمل والمعرفة". (7 /172).
شخصيات تتحدث
رصدت المجلة ـ من خلال المجلدين ـ آراء عدد من الشخصيات البارز في سماء الثقافة والأدب والفكر الإنساني في الوطن العربي والإسلامي، الذين تحدثوا كل بطريقته ومن الزاوية التي اختارها في تقويم التجربة، ورصد بعض معالمها.
وما يلحظ على قائمة الشخصيات التي تجاوزت المائة شخصية، إنهم متنوعو المذاهب الدينية، فمنهم المسلم (الشيعي والسني)، ومنهم المسيحي، ومن مختلف الأصول العرقية والقومية، فمنهم العربي وغير العربي، ومنهم من يلتقي مع الشيخ حسن الصفار في بعض التوجهات الفكرية، ومنهم من يختلف، عدا أن الجميع التقوا عند نقطة واحدة تتمثل في أهمية وإيجابية وأهمية الدور الذي قام به الشيخ الصفار، واتصافه بالعديد من الصفات التي يمكن التلاقي حولها.
ولعل هذا الأمر يشكل نقطة محورية في نجاح وحيوية التجربة، وتتمثل في شهادة من هو خارج نطاقها، أو حتى من يختلف معها، ولديه تحفظات معينة على بعض الجوانب، لكنّه ـ مع ذلك ـ يرى أن ثمة معالم هامة ينبغي التوقف عندها ورصدها ومن ثم الإشادة بها.
من الشخصيات البارزة التي أشادت بجهود الشيخ الصفار السفير السابق وأمين مجلس التعاون الخليجي سابقا الشيخ جميل الحجيلان الذي قال: "قدّر لي أن أحضر أمسيتين من أمسيات أحدية الدكتور راشد المبارك، حاضر في الأولى منها الشيخ حسن الصفار، العالم الشيعي الرزين الذي حمله صدق المواطنة لأن يجعل في تلك الأمسية من البحث في موضوع متفجّر شائك وسيلة لإجهاض مواقف التشنج والدفع جانبا بالمبالغة والغلو، ودعوة المتجادلين للالتقاء على حب الوطن، وقطع الطريق على الجهالة والنية المشبوهة. (412 /173).
أما الدكتور غازي القصيبي (الوزير، والشاعر، والسفير، والروائي) فقد خط مقالة بعنوان (حسن الصفار والدعوة إلى الحوار) جاء فيها: "الكثير من دعاة الكراهية دعونا لكراهية أنفسنا، والكثير من دعاة الفرقة فرقوا صفوفنا، ولوبي الصدام نفث سمومه بين ظهرانينا فاقتتلنا واحتربنا أما آن الأوان لانطلاق أصوات أخرى؟
بلى والله، وهذا صوت عاقل متزن هادئ، يدعو بعقلانية واتزان وهدوء إلى التعايش في ظل التنوع، بانيا دعوته على سنة الله جلّت قدرته في أرضه، سنته في البشر وألوانهم وعقائدهم
ثم يتطرق الدكتور القصيبي إلى كتاب الشيخ حسن الصفار (التنوع والتعايش)، وينوّه بما قاله الشيخ الصفار من أن هناك شرطين أساسيين يقوم عليهما التعايش أولهما ضمان الحقوق والمصالح للأطراف المختلفة، وثانيهما الاحترام المتبادل.
وينقل مقاطع وفقرات من الكتاب (465 /173).
والحال نفسه بالنسبة للدكتور محمد عبده يماني (الكاتب والباحث والوزير السابق) فقد قدّم لكتاب "التنوع والتعايش" الذي أصدره الشيخ الصفار عام 1999 إذ أشار إلى أهمية الموضوع الذي يتناوله الكتاب فهو "كتاب في موضوعه جدة، وفي عرضه سلاسة، يشعرك وكأنك تفكر بطريقة المؤلف، ويأخذك في عرض جميل، يستعرض خلاله نماذج من القضايا المهمة التي يطرحها الكتاب يجعل كأنك تقرأ أفكارك فيه".
وقال الدكتور يماني:"... ولقد أعجبتني نظرة الكاتب الأستاذ الشيخ حسن الصفار إلى واقع الأمة اليوم، وذلك التنافر والاحتراب الداخلي، الذي يعوق محاولات النهضة، ثم تركيزه على القلق والشك اللذين يربكان المسيرة، وتلك الأفكار التي تشغلنا بمعارك داخلية جعلت أعداء الأمة يستفيدون منها".
ويؤكد على أن "من يقرأ كتاب الشيخ حسن الصفار يحس بذلك الإسهام الذي يرمي إليه، في قضية التعايش من أجل مسيرة هذه الأمة.. "(461 /173)
الصفّار .. الحالة النادرة
وتتداخل الإشادة بين عرض المواصفات الشخصية، وبين المواقف التي يتخذها الشيخ الصفار تجاه القضايا العامة، التي تؤكد مكانته والتزامه بتلك القضايا، فتجد الدكتور الشيخ محمود المظفر عضو هيئة التدريس السابق في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ـ كواحد من الشخصيات الدينية الأكاديمية ـ يؤكد بأن الشيخ الصفار ما زال يؤثر دون الآخرين النشاط والحركة الدؤوب ويتمتع بطاقات واسعة رصدها للخدمة العامة" (427 /172)
هذه الصفة هي نفسها التي أشاد بها المؤرخ السيد حسن بن السيد محسن الأمين إذ يقول إنه عرف الشيخ الصفار عن كثب، وعرف "ما أنطوى عليه من إخلاص وما يتحلّى به من مواهب وما يضطرم عليه نفسه من توق إلى الكفاح في سبيل وطنه .......".. مشيدًا في هذا الصدد بموهبة الشيخ الصفار الكتابية واعتبرها من أنضج المواهب. (407 /172).
ولم يخرج رجل الأعمال الأديب عبد المقصود خوجة عن هذا الإطار إذ وصف الشيخ حسن الصفار بأنه "نجم ساطع في دنيا العلم والفكر والثقافة والأدب على المستويين المحلي والإقليمي..... ولم يقتصر على الأداء النظري بل نجده ذا باع طويل في خدمة المجتمع......" (411 /172)
إن تكريم الشيخ حسن الصفار في اثنينية عبدالمقصود خوجة كانت موضع إشادة من عدد من الشخصيات الأدبية والاجتماعية، ومن ضمن الذين أشادوا بهذه المبادرة الأستاذ عبدالله الجفري (الأديب السعودي الراحل)، الذي ألقى كلمة في حفل التكريم، وأشاد بالشيخ الصفار قائلًا بأن سيرته العلمية والثقافية "تحفل بزخم من الإصدارات والمشاركات الدينية والفكرية والأنشطة الاجتماعية".. منوّها إلى أن الشيخ الصفار" يعبّر عن تمسكه بلغة الحوار من خلال انطلاقة الحوار الوطني، فيرى أن للحوار مهمتين هما: تحقيق التواصل والانفتاح بين الشرائح والفئات الوطنية المختلفة، وبلورة التصوّرات تجاه القضايا الوطنية وتقديمها إلى الدولة".. مؤكدا على مقولة الشيخ حسن بأن تطوّرات العالم اليوم لا مكان فيها للتوجهات الإقصائية التعصبية (415 /172).
وتعد مسألة تجنيد المواهب الخاصة لخدمة الأهداف العامة من أبرز النقاط التي يتصف بها الشيخ حسن الصفار وكانت موضع إشادة من قبل الشخصيات التي تم رصد رأيها وعرضه في المجلدين. فالشيخ محمد مهدي الآصفي (وهو من رجال الدين البارزين في العراق) يقول:"منذ عرفت فضيلة الشيخ حسن الصفار عرفت فيه حال الاعتدال والتعقل، والقدرة على الترفع عن الأمور الصغيرة التي تحجب الناس عن نيل الأمور الكبيرة".. مشددا على أن هذه المواهب ضرورة لكل من يعمل في ساحة المجتمع "لأن تفاعلات الساحة تدفع كثيرا إلى حالة التطرف في الفهم والعمل" (429 /172).
وبصورة أكثر تشخيصًا يقول الشيخ محمد واعظ زادة (رجل دين إيراني بارز) واصفًا الشيخ الصفار بأنه العالم الخبير والمصلح الكبير الذي له "سعيٌ بليغ في سد أبواب الفتنة والدعوة إلى الوحدة والألفة بين أبناء الإسلام لاسيما بين علماء المذاهب والمثقفين منهم الذين هم دعاة الأمة، والناطقون باسمها على الصعيد العلمي والاجتماعي، ولا سيّما فيما يرجع إلى الدين ومعارفه وأحكامه، وإلى موضع المسلمين امام غيرهم من الأمم والملل" (432 /172).
اما الدكتور محمد حلمي عبدالوهاب (اكاديمي مصري) فقد قال: "يتميز الشيخ حسن الصفار بسمة نادرة تتعلق بموهبته في فك الاشتباك القائم ما بين ما هو ديني وما هو سياسي بصفة خاصة......." والشيخ الصفار حالة خاصة ويجسد في الوقت نفسه المرجعية الدينية المنفتحة على غيرها من جهة، والمتسمة بقدر كبير من الحياد والموضوعية من جهة ثانية... (403/ 173).
النموذج الفاعل
السيد هاني فحص، ذو التجربة السياسية والثقافية في لبنان أعد مقطوعة أدبية راقية، ربت على 3000 كلمة، في تسع صفحات، يقول ضمن إحدى فقراتها: "هذا النموذج الفاعل، الشيخ حسن الصفار استطاع أن يستخدم وقته وجهده وصداقاته وعلاقاته بالورشة التي يشتغل فيها، في تحويل إسهاماته الجميلة إلى وثائق تسهم في إفشاء السلام بين المؤمنين، وتفتح القنوات بين الجزر المذهبية حتى تتكامل، وتعلو قيمة هذه الاعتبارات عندما يتوفر على رجل كالشيخ حسن الصفار مشغول بإلغاء المسافة بين ظاهره وباطنه، عنايته بتقريب المسافة بين أبناء جماعته وبين مختلف الجماعات في أمته ووطنه.
ويشرح السيد فحص آلية وطريقة الشيخ الصفار في التعاطي مع الآخر، وهو هنا يرصد صفة شخصية مجنّدة للصالح العام، ويقول: "ولا يقبل الشيخ الصفار أن يتنصل من مكوّناته الخاصة شرطا لقبول الآخر به، ولا يشترط على الآخر أن يتنصل لأن الوفاق لا يقوم على النفاق، بل يقدم على معرفة نتيجتها معا بالعام والخاص، فنضبط العام بالخاص....."(434 -435 /172).
هذا الشيخ النص أو النص الشخص في الشيخ حسن الصفار ـ حسب السيد هاني فحص ـ " له مثيل فيه أيضًا هو ذلك السر العلني والعلن السري، ولي على ذلك شواهد كثيرة، أهمها أن اهتمامه بالتقريب من خلال الحوار الدائم لا يحمل أي شائبة، وهو من الجد فيه كما لو أنه مشروع عمره لدنياه وآخرته".
وخلص السيد فحص إلى القول: "سواء اتفقنا مع سماحة الشيخ الصديق، الجاد، الدؤوب، والمخلص، أو اختلفنا معه في تحليل بعض الأحداث والوقائع، فإننا متفقون معه على منهجه التقريبي وحرصه على أن تكون الوحدة تجليا لتوحيدنا، ولعل من أهم ما يجعلنا نراهن على مسلكه التوحيدي والحواري والإصلاحي، موقعه المحترم في أوساط العلماء المسلمين في المملكة وخارجها، الذين يثبتون اعتدالهم بانفتاحهم على المعتدلين من أمثال الشيخ حسن الصفار".
قيمة الحوار والتسامح
بناء على ذلك فإن أبرز ما يتسم به الشيخ الصفار هو دعوته إلى الوحدة عن طريق الحوار وقبول الآخر، والذي لا يعني التنازل عن الخصوصيات، والدعوة إلى الوحدة تستدعي توافر العديد من القيم وإشاعتها بين الناس، وقبل ذلك الإيمان بها، وهذا ما حفلت به خطب وإصدارات الشيخ الصفار، والتي تطرّق لها العالم العراقي البارز الدكتور السيد محمد بحر العلوم وأبرزها "التسامح وثقافة الاختلاف، وهما دعامتا المجتمع التي تنسجم مع مفهوم الانطلاق العلمي والاجتماعي والعقائدي المتبصر في هذا الظرف بعيدا عن المرتكزات الوهمية المدسوسة".
ومن القيم الأخرى التي رصدها السيد بحر العلوم بناء على اطلاعه على قائمة إصدارات الشيخ حسن الصفار: "الثورة على التخلف الذي يمازج بعض شرائح مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، والإصرار المرير على نبش الطيف المزعج، في الوقت الذي يتقدم فيه العالم بما يدهش، وينور العقل السليم، في الوقت الذي يحاول بعض المتعصبين الرجوع بالأمة إلى المربع الماضي السحيق، الذي عانت شعوبنا منه كل المعاناة".
ويشير السيد بحر العلوم إلى فكرة يتبنّاها الشيخ الصفار وهي: "الحوار البناء الذي يدفعنا إلى الهدف المنشود، والبحث عن الجوانب الحيّة، لأساليب الحوار، والانفتاح على الآخر". (443-444/ 172).
أما الأب المسيحي إلياس زحلاوي (راعي كنيسة سيدة دمشق) فهو يسير على ذات النسق الذي أشار إليه كل من السيد هاني فحص، والسيد بحر العلوم، وهو تقديس قيمة الحوار، والذي يقتضي توافر حالة من التسامح.
الأب زحلاوي اطلع على كتاب الشيخ حسن الصفار المعنون بـ "التسامح وثقافة الاختلاف"، وأكد بأنه وجد المؤلف في هذا الكتاب، أي أنه رأى الشيخ الصفار مطبّقًا لقيمة الحوار والتسامح، ووجده ـ كما يقول ـ منفتحًا محبًا للحقيقة، صادقًا في انفتاحه على الآخر. مشيدًا بأسلوب الشيخ الصفار في صياغة محتوى الكتاب الذي "أحاط بموضوع «التسامح وثقافة الاختلاف»، البالغ الدقة والحساسية، إحاطة هادئة إنسانية وشاملة، في زمن تلتهب فيه، لأدنى الأسباب ـ المشاعر والألسنة بل والعقول، وقد تجلّى فيه ما يمتلك من معرفة واقعية وعميقة، للنفس البشرية، وهي معرفة تجمع بين أدق التفاصيل وأبرز النتائج الإيجابية منها والسلبية، وذلك لا على الصعيد الشخصي والجماعي وحسب، بل الوطني والإنساني أيضًا، كما أنه يبدي مرونة موضوعية ونادرة في أمور دينية هامة، دفعته للتذكير بأن خدمة الناس واحترامهم يأتيان في مرتبة «أهم العبادات» في الإسلام" (447 /172).
ويرى الأب زحلاوي أن الشيخ الصفار الذي يؤكد على الحوار والتسامح ويطبق ذلك عمليًا في سلوكه ومنهجه العملي في حياته الشخصية، وفي علاقاته مع الآخرين. هذه الصفة نوّه عليها الشيخ محمد مرواريد (أستاذ الحوزة العلمية في مشهد)، الذي يرى أن الشيخ الصفار يمثل أنموذجًا عمليا لتجسيد نظرياته وأفكاره، فقد استطاع بالتعايش والمنطق والحكمة أن يتجاوز الظروف السائدة، ولقد قدّم مثالا يحتذى عن الصبر وتحمّل المشاق في سبيل التعايش والسلم الاجتماعي. (450 /172).
أما الباحث الإسلامي الشيخ فهد بن إبراهيم أبو العصاري من المدينة المنورة، فقد تطرق إلى مسألة الحوار بين أبناء الوطن الواحد، وقال: "إن نظرة الشيخ حسن الصفار للحوار تختلف عن نظرة الكثيرين الذين يستعجلون نتائجه، بل وصل بعضهم إلى درجة اليأس من الاستمرار فيه، فالشيخ يرى أن تراكمات الإرث التاريخي لا يمكن أن تزول بين يوم وليلة، ويكفي أننا بدأنا الخطوة الأولى في اتجاهنا إلى الهدف المنشود مركزا على أهمية القرار السياسي في هذا الشأن، ومحذرا من أن الاستعجال وعدم رسم الأهداف بعناية، وعدم تحديد الآليات سيؤدي إلى نتائج وخيمة ربما اختطفت الحوار وجعلت منه مصدرا للقلق بدلا من التفاؤل، وهنا تبرز فعلا مواهب الشيخ حسن الصفار وكيف أنه ينظر إلى الأمور بمنظار أعمق يساعده على ذلك واسع اطلاعه وفهمه لواقع الأمة ومعرفته بتاريخها الطويل.
وتطرق إلى أهم الأهداف التي وضعها الشيخ الصفار للحوار المذهبي وهي : التعارف والفهم المتبادل، والتعايش ومنع الإساءات، خدمة المصالح المشتركة، فهذه الأهداف يمكن تحقيقها ومن ثم جني ثمارها من الاحترام المتبادل ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون تمييز، وإشاعة العدل والمساواة، في الحقوق والواجبات حيث ستسعد الامة بالتلاحم بين أبنائها وبناتها كأفضل ما تكون عليه الوحدة الوطنية التي هي هدف المجتمع (391 /173).
إن هذه الصفة هي ذاتها التي أكد عليها كل من السيد هاني فحص، والسيد بحر العلوم، والأب زحلاوي، ومعظم الشخصيات المشاركة وهم من مشارب مختلفة، وتوجهات متنوعة، لكنّهم يتّفقون على إيجابية نهج وأسلوب الشيخ حسن الصفار.
الإصلاح والتجديد
الكاتب السعودي نجيب الخنيزي ذي الخلفية اليسارية العلمانية يقول: "عندما يطرح اسم سماحة الشيخ حسن الصفار يتبادر إلى ذهني على الفور أسماء الرواد العظام لموضوع الإصلاح والتجديد الديني والسياسي والفكري منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، الذي أجهض بسبب عوامل مختلفة لكن الأمل لا يزال معقودا على استئنافه من جديد من قبل كوكبة من المصلحين والمفكرين المعاصرين، من بينهم سماحة الشيخ حسن الصفار الذي يحتل منزلة معتبرة ومميزة بينهم، وفي الواقع فإن مرجعيته الدينية والتزامه الديني وانتماءه المذهبي لم يكن عقبة على الإطلاق أمام انفتاحه وتفاعله الحي مع الواقع ومتطلبات الحياة المعاصرة، كما أن خطابه الإسلامي العقلاني المعتدل والرصين المستند إلى الجوانب المضيئة في تراثنا الإسلامي يساهم في خلق أسس الحوار والتفاعل الإيجابي مع الآخر (بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو فكره) لتشكيل أرضية مشتركة، قوامها مصلحة الوطن والأمة، وقبل كل شيء الاحتفاء بالإنسان، والدفاع عن حقه في الوجود والحرية والتعددية والعدالة والمساواة.
ويتساءل الخنيزي: "بعد كل ما ذكرته من احترام وتقدير وتثمين لمواقف وطروحات سماحة الشيخ حسن الصفار هل هناك مجال للاختلاف والتباين معه؟ أقول: نعم، هناك اختلافات وتباينات حول أمور ومسائل عدة، هو يعيها ويعرفها ويقدّرها أكثر منّي، لكن تظل في زعمي وفي ظنّه أمر مشروعا وطبيعيا، لا يفسد للود والاحترام المتبادل قضيّة". (468 /172).
الكاتب والمفكر السياسي المصري ذائع الصيت فهمي هويدي استعرض بعض معالم الفتنة الطائفية التي تشهدها بلادنا العربية والإسلامية متطرقا ـ في هذا الشأن ـ إلى مساهمة الشيخ حسن الصفار ودعوته لمقاومة ومكافحة هذا الداء قائلا: "قرأت كلاما طيّبا في هذا الصدد للشيخ حسن الصفار، وهو من عقلاء علماء الشيعة، نشرته صحيفة الوطن الكويتية في 31 أكتوبر تحت عنوان دال هو "هموم الوطن وهموم الأمة" كان التركيز الأساسي فيه على الدعوة إلى إعطاء الأولوية لهموم الأمة وقضاياها الكبرى، والتحذير من الانشغال بالمشاكل الطائفية والفرعية، حتى لا تسعى الأطراف المختلفة إلى إحراز الانتصارات الداخلية على بعضها بعضا، بينما تتنزل الأمة كلّها إلى هاوية الهزيمة النكراء في معركتها المصيرية"
ويمضي هويدي قائلا: "قال الشيخ حسن الصفار إن ذلك الموقف المبدئي الواعي هو نهج آل البيت الذي كانوا ينطلقون من الحرص على وحدة الأمة وإعلاء شأن الدين، وتفويت الفرصة على الأعداء الطامعين متجاوزين معاناتهم وآلامهم رغم قساوتها وفظاعتها .......".
وخلص إلى القول: "مثل هذا الخطاب ينبغي أن يكون محل حفاوة وترحيب لأنه يمد جسرا قويا يتيح لكل الأطراف الغيورة على مستقبل الوطن ان تلتقي عليه، وهو من هذه الزاوية يعد نموذجا لخطاب الاعتدال الذي ننشده في التعامل مع الملف الشيعي أو غيره من الملفات"(487 /172)
اما الأديب السعودي الحداثي البارز محمد العلي فقد جاء في مقاله: "سأعدد النقاط التي تدفع بك إلى الإعجاب بالشيخ حسن الصفار، هكذا
1 ـ إنه لا يتكلف في سلوكه الذهني ولا العملي
2 ـ لغته هي لغة الحياة اليومية البسيطة
3 ـ في جيبه (كما قال كسنجر مرة عن نكسون) قائمة لأعدائه لا أصدقائه
4 ـ إنه يؤمن بقضية إنسانية يجاهد من أجلها بصدق وإصرار واستمرار.
يضيف العلي: "أنت قد لا تلتقي مع الشيخ الصفار في بعض اطروحاته، أو حتى بعض مسلّماته، ولكنّك لا بد أن تقدم له الاحترام، لأنه يحمل تلك القضية الإنسانية التي يعبر عنها بـ "إرادة التعايش" . يقول في كتابه "التنوع والتعايش" إن أول خطوة تضعنا على طريق التنمية والتقدم هي امتلاك إرادة التعايش والقدرة على تحقيقه، فإذا ما اعترف بعضها ببعض، واحترم كل واحد منّا الآخر، وأقرّ بشراكته ودوره حينئذ يمكننا العمل معا لتجاوز حالة التخلّف العميق والانطلاق نحو أفق الحضارة الواسع"
يتساءل العلي:
"أرأيت ما أنبل هذه القضية، لا خلاص للعالم، كل العالم، من أزماته التي تقعده في براثن التخلف، إلّا بإرادة التعايش وتحقيقه، أينك أيّها الوعي.. لماذا لا تهبط على هذا العالم؟" (542 /172)
المحامي والناشط الوطني السعودي محمد سعيد طيّب يقول: "استوقفتني أفكار وتوجهات الشيخ حسن الصفار الداعية إلى الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والعدالة والحقوق المتساوية والفرص المتكافئة، والمجتمع المتواد المتحاب، والرافضة للتناحر المذهبي، خاصة وأن ثقافتنا الإسلامية متهمة الآن في العالم ـ بعد أحداث 11 سبتمبر ـ بأنها تعصبية تدعم الإرهاب والتطرف وكراهية الآخر، في حين أن المخلصين من مفكري الأمة يناضلون لإبراز سماحة الإسلام وتعاليمه في احترام الإنسان والتعايش مع أبناء البشر، ولكن ـ للأسف ـ فإن واقع التشنج الاستعلاء غير المبرر والصراع الداخلي بين دعاة الجهوية والقوى والمذاهب يلغي كل هذه الجهود المخلصة، إذ كيف يتسنى إقناع الآخرين من غير المسلمين باستعدادنا للتعايش معهم واحترام حقوقهم في ظل عجزنا عن التعايش فيما بيننا".
وقال طيّب: "فلسماحة الشيخ حسن الصفار إسهامات مقدّرة في إثراء الفكر الإسلامي وإشاعة ثقافة التسامح والتعددية والحوار عبر أكثر من 60 مؤلفا، وخاصة في هذا الجانب الذي استأثر على الكثير من جهده........."
ويضيف: "وجدت نفسي في توافق تام مع أفكار سماحة الشيخ حسن الصفار الداعية إلى التعايش والسماحة والحوار بين طوائف وقطاعات المجتمع...." (381 ـ383 /173).
الطرح العلمي والأدبي
وتحظى إصدارات الشيخ حسن الصفار المتتالية بسمعة طيبة، وتتلقى إشادات عدة بمستواها العلمي، ومحتواها الأدبي، وأسلوب معالجتها، فالمرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني تطرق إلى كتاب الشيخ الصفار (الجمعة شخصية المجتمع الإسلامي)، واعتبر هذا الإصدار كتابا قيّما وأثرا جديدا، وعملا نبيلا، يسد فراغا في مكتبتنا العربية والإسلامية بتحاليله وبحوثه القيّمة. "فشيخنا الحجة الصفار هو أحد من يخدم الإسلام والمسلمين ببيانه وكلامه وقلمه عبر سنين" (456 /172).
وعلى ذات النسق أشاد المحقق الشيخ باقر شريف القرشي بما أصدره الشيخ الصفار عن السيدة زينب عليها السلام، بقوله: "إن من الواجب ان نشيد بسماحة حجة الإسلام والمسلمين المجاهد الشيخ حسن الصفار على ما بذله من جهد خلّاق في دراسته عن سيدة النساء الذي أسماه (المرأة العظيمة) وهو من ذخائر ما ألِّف عن حياة حفيدة الرسول ، وهو بالإضافة إلى إلمامه بالكثير من حياة بطلة الإسلام فإنه من مناجم الأدب في روعة بيانه وسمو تحليله، وإني أتمنّى له المزيد من البحوث التي تنفع الناس"(458 /172).
والحال نفسه يشير له الأديب والصحفي السعودي خليل الفزيع بقوله إن الشيخ حسن الصفار "عرف بمنهجيته العلمية في البحث، مما منح كتاباته قيمة علمية إلى جانب قيمتها الأدبية، وما توفره من متعة ذهنية عند القراءة....".. لافتا إلى عدد من الصفات يتصف بها الشيخ الصفار منها التواضع والحرص على التواصل لمناقشة هموم الوطن بروح عالية من الوعي والمسؤولية. (417 /172).
السفير والدبلوماسي السعودي المهندس عبدالله بن يحي المعلمي تحدث عن أحد إصدارات الشيخ الصفار (الأحادية الفكرية في الساحة الدينية) وقال: "لقد وجدت في كتاب الشيخ حسن الصفار دعوة إلى الانفتاح وإلى الحوار، وإلى التجديد وإلى المراجعة التاريخية، وإلى القول بتعدد الآراء والأفكار والمعتقدات، وإلى تنشيط الساحة الفكرية والعلمية، عن طريق التواصل والنقاش، ومراجعة الحجة بالحجة، والابتعاد عن فرض سلطة الرأي الواحد حتى وإن جاء ذلك تحت حجة النقاء العقدي، وهي دعوة لا بد لنا أن نعترف بوجاهتها وبأهميتها في عصرنا الحالي الذي يتعذر فيه حجب الرأي أو الانطواء على فكر واحد" (490 /172)
وعلى ذات النسق، وضمن الإشادة بالتناغم بين الطرح النظري والسلوك اليومي، يقول المفكر اللبناني العلامة السيد محمد حسن الأمين: إن من النادر أن كاتبًا يشبه نصه، إلا إذا اجتمعت لدى الكاتب صفتان، هما: الصدق والإبداع في آن واحد، فالكاتب يكون صادقًا غير مبدع، ويكون مبدعا غير صادق، وفي الحالتين لا يكون النص مشبها صاحبه، فإذا اجتمعت له النعمتان (الصدق والإبداع) تجلّت صفة التماهي النادر بين المبدع ونصه.. مؤكدا بأن الشيخ حسن الصفار يشبه نصه شبها عجيبا، هو ونصه متشابهان حد التماثل.
ومضى يقول: "استطاع الشيخ حسن الصفار أن يقدم لنا في خطابه الإسلامي درجة عالية من قيم البلاغة التي ننشدها في عصرنا....". "كما أنه في نصه نقف على وعي متقدم لطبيعة الخطاب الإسلامي فهو بالرغم من كونه خطابا موصولا بالتراث شديد الاتصال به، إلّا أنّه خطاب موصول بأشد الأواصر بطبيعة عصره ومشكلاته وأزماته وحساسياته الخاصة والمعقدة، وهذا ما يجعل منه إضافة مضيئة وليس مجرد استعادة وتكرار لمقولات التراث".
ونوّه إلى ما أسماه بالنزعة الحوارية في أدب الشيخ حسن الصفّار ومساجلاته ووعيه المتقدم لحقائق التعدد والتنوع في الفكر والاجتماع والسياسة، وهذا الوعي وإن كان مصدره ثقافة العصر الراهن إلّا أنّه مؤسس على قواعد قرآنية أصيلة تمكن الكاتب من بلورتها بعمق ودراية علمية متقدمة. ولست أحسب أن الشيخ حسن الصفار كان بوسعه أن يقف بهذا العمق على مسائل الحوار والتعدد لو لم تكن له تلك التجربة الحيّة في خوض مسائل الإصلاح والتغيير والاضطلاع بمهمات التحوّل والتجديد في إطار مجتمعه خاصة وفي إطار المجتمع العربي والإسلامي بصورة عامة. (539 -540 /172).
لا شك أن العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية كانت مورد معالجة من قبل الشيخ حسن الصفار، من خلال المنبر والخطابة، أو الكتاب والكتابة، أو من خلال اللقاء والحوار، وبعضها كان الشيخ الصفار متميزا في معالجتها، وبعض هذه القضايا تشكل ما يشبه العقدة في المجتمعات المحلية، مثل الطائفية التي تتفرع منها العديد من الموضوعات ذات النمط الثقافي من قبيل قبول الآخر والتعددية وثقافة الاختلاف وغير ذلك.
ويرى الباحث البحراني في شؤون التراث الدكتور وسام السبع أن الشيخ الصفار صاحب بيان عذب ومنطق جميل، ورؤية واضحة، وخطابه الديني معتدل، و فيه مساحة واسعة من الاهتمام بشؤون الحياة وقضايا المجتمع والنهضة، وبناء الشخصية وبث ثقافة التسامح وحماية حقوق الإنسان، ومهاراته الخطابية بدأت تبرز بوضوح منذ صغره، وبد بدأ ممارسة الخطابة عام 1968 وعمره 11 عاما، وقلمه لا يقل جمالا وفائدة عن خطاباته التي تكتسب راهنية وتتميز بالعمق والرصانة العلمية، وقد اصدر ما يزيد على مائة كتاب، في مختلف مجالات المعارف الدينية و الثقافية، وترجم بعضها إلى لغات أخرى... وكان ولا يزال يمارس دوره الريادي في حركة التواصل والانفتاح مع مختلف الأطياف والتوجهات في الساحة الوطنية والإسلامية.
وخلص إلى القول: "اعتقد إن إبراز هذا النوع من الشخصيات الإسلامية والعلمية المرموقة في إعلامنا، والإصغاء لطروحاتها وآرائها يعطي فرصة للإسلام المتسامح الذي يحث على التعايش وقبول الآخر واحترام الحالة التعددية في مجتمعاتنا" (491 /172)
الظاهرة الثقافية
رغم تأكيد كثير من المشاركين في المجلدين على أن طروحات الشيخ حسن الصفار نابعة من صميم الفكر الإسلامي، ومسندة بأدلة قرآنية وحديثية، فضلا عن السيرة العطرة لنبي الإسلام ومن سار على نهجه، إلا أن الفقيه الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي تطرق إلى مسألة الربط بين الأصالة والمعاصرة، و هي قضية طالما شغلت الفكر العربي المعاصر.
يقول الدكتور الفضلي: "قد اثبتت تجارب التثقيف والتبليغ إن نجاح من يقوم بذلك مرهون بقدرته على ربط الفكرة بالواقع، ومقدار معرفته بنفسيات مستمعيه ودرجات وعيهم الثقافي"، مؤكدًا: "إن الشيخ حسن الصفار من أولئكم القلة الذين جمعوا بين رسالتي المسجد والمنبر، فقد تخرّج في الحوزة العلمية بعد إتمام دراسته للعلوم الإسلامية، وشغل منصب العالم الديني في بلده القطيف، وهو من أنشط العاملين في هذا المجال، بخاصة أولئكم النفر القليل الذين جمعوا بين الأصالة والمعاصرة، وقد أفاد هذا ـ بالإضافة إلى دراسته الحوزوية ـ من قراءاته المتنوعة والمتعددة وإنك لتملس هذا واضحا في مؤلفاته ومحاضراته، ويعد في خطابته من الموهوبين، فهو يمتلك أدوات التأثير المنبري، ولديه آليات النفوذ إلى ذهنيات مستمعيه، عن طريق مخاطبة عواطفهم، إنه في أحاديثه هذه يدفع الفكرة دفعا لتمس واقع الناس فتعمل على تغييره لما هو أفضل" (164 /173).
أما الكاتب الجزائري غريبي مراد عبدالملك فيقول: "من خلال قراءتي ومتابعاتي لفكر وخطاب العلامة الشيخ حسن الصفار استلهمت تبلورا لمدرسة إصلاحية جديدة مهمة ذات ركيزتين هما: العلم والعمل، دون الاغتراب عن المبدأ الثقافي (الإسلام) حيث تفتق المعنى الإنساني مع الوقت في نظام التفكير وتركز في لغة الخطاب.
والأجمل في ميلاد هذه المدرسة ـ حسب الباحث الجزائري ـ أنها لم تتوقف عند شخص الشيخ حسن الصفار حفظه الله ورعاه، رغم أن سماحته مركز الثقل في هذه الصورة من صور المعادلة الثقافية الاجتماعية للإصلاح الإسلامي، هناك جيل من النخبة (مثقفين، وطلاب علوم دينية، إعلاميين، وحقوقيين، وأعيان وغيرهم)، من الرجال والنساء والشباب والشيوخ، لمست في تفاصيل حياتهم وحركتهم الثقافة روحية الإصلاح والعطاء والتضحية (257 /173).
وأخيرا:
على ضوء معطيات هذين العددين من مجلة الموسم يتأكد بأن الشيخ حسن الصفار ظاهرة متعددة الأبعاد والأنشطة، تنهل من معين الفكر الإسلامي، ومعطيات الفكر الإنساني الحضاري، وتسعى لمعالجة المشكلات الحضارية التي تعاني منها مجتمعات الأمة، وأبرزها التخلف والتجزئة، وضمور قيم أساسية كالحرية والعدالة والتسامح والحوار.