الاستقرار السياسي
تعاني أغلب البلدان الإسلامية ضعف الاستقرار السياسي، لاضطراب العلاقة بين الحكومات وشعوبها.
حيث تطمح هذه الشعوب لدور أكبر في المشاركة السياسية، وفي ممارسة حقوقها وحرياتها، أسوة ببقية شعوب العالم التي تتمتع بالديمقراطية، فتنتخب زعماءها، ويتم فيها تداول السلطة، وتتوفر لها حرية تشكيل الأحزاب والتعبير عن الرأي.
ومن الأخبار التي تلفت النظر حول مدى ما تتمتع به الشعوب في البلدان المتقدمة من مشاركة سياسية، ما ذكرته الأنباء والتقارير عن النقاش الدائر في بعض الولايات المتحدة عن حق التصويت للبلهاء والمجانين. يقول الخبر الذي نشرته جريدة الحياة بتاريخ 3 نوفمبر 2002م:
سيقرر الناخبون في ولاية (نيومكسيكو) ما إذا كانوا سيوافقون على أن يكون للبلهاء والمجانين حق التصويت في ولايتهم. فبموجب دستور الولاية الذي وضع عام 1912م يمنع البلهاء والمجانين من التصويت في الانتخابات. والتعديل المقترح الذي سيتم التصويت عليه بعد غد سيحذف وصف البلهاء والمجانين من الدستور.
لكن غالب الأنظمة الحاكمة تتجاهل هذه التطلعات الشعبية، وتتمسك بنهج الاستئثار بالسلطة ومصادرة الحريات. وقد تلتف على مطالب شعوبها بالقيام بلعبة الانتخابات الصورية الزائفة، حيث يفوز الحاكم أو حزبه بأكثرية الأصوات، وقد عرّف الرئيس العراقي المخلوع نفسه للقوات الأمريكية التي ألقت القبض عليه في الجحر المظلم، بأنه الرئيس المنتخب لشعب العراق، كما نقلت وسائل الإعلام أيام سلطته البائدة أن نتيجة آخر انتخابات رئاسية فوزه بـ98% من الأصوات.
من ناحية أخرى تشتد وطأة الضغوط الاقتصادية ومتطلبات الحياة، على أبناء هذه الشعوب، وخاصة جيل الشباب، الذين يعانون من قلة فرص التعليم الجامعي، وصعوبة الحصول على فرص العمل، حيث نسبة البطالة في تصاعد مستمر، فيتعرضون لحالات الإحباط واليأس من القدرة على بناء مستقبلهم وتأسيس حياة كريمة.
ويثير الإجرام الصهيوني حفيظة أبناء الأمة وغضبهم، حيث يشاهدون مسلسل العدوان اليومي على الشعب الفلسطيني، قتلاً وتنكيلاً، وجرفاً للمنازل والأشجار، وقضماً للأراضي، على مرأى من العالم والحكومات الإسلامية دون أي مانع أو رادع.
كل هذه الأمور تحدث الغليان في نفوس أبناء الأمة، وتدفعهم للصدام مع الحكومات، وقد يأخذ هذا الصدام منحى خطيراً، وشكلاً فظيعاً، بممارسة العنف والإرهاب الأعمى، الذي يصيب الأبرياء، وينشر الرعب والجزع في أوساط المجتمع، ويسيء إلى قضايا الأمة بدل أن يخدمها أو يساعد على معالجتها.
هذا الاضطراب السياسي الداخلي يشل حركة الأمة ويعوق تقدمها، ويشغل قوى الحكومة والشعب عن برامج التنمية والبناء، ويفسح المجال أمام مختلف الاحتمالات، ومنها استغلال القوى الخارجية وتدخلها تحت عنوان حماية حقوق الإنسان، أو الدفاع عن الأقليات، أو نشر الديمقراطية.
تتأكد الآن أكثر من أي وقت مضى ضرورة مبادرة الأنظمة السياسية إلى القيام بإصلاحات شاملة، تستجيب فيها إلى تطلعات شعوبها، وتحفظ وجودها، وتحقق الاستقرار والأمن السياسي والاجتماعي، وتسد الطريق على مساعي الدول الكبرى التي يبدو أنها مصممة على التدخل في شؤون مختلف مناطق الشرق الأوسط، لفرض تغيير سياسي فيها بحجة نشر الديمقراطية، وضمن مشروع مكافحة الإرهاب، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول في الإدارة الأمريكية.
إن أخذ زمام المبادرة من قبل الحكومات للإصلاح السياسي هو الطريق لتلافي انفجار غضب الشعوب،التي يصعب عليها الاستمرار في تحمل ضغوط الواقع المر، والصبر عليه أكثر، خاصة مع وجود المحفزات الدولية، ووضوح ضعف بنية الأنظمة وقدرات صمودها.
فالنظام إذا لم يكن محمياً بإرادة شعبه، يستند في وجوده إلى دعم القوى الخارجية، فإذا ما قررت سحب دعمها عنه فسيكون انهياره حتمياً. وبدل أن تقدم الأنظمة التنازلات للقوى الخارجية لضمان دعمها، كما رأينا في عروض صدام الشائنة على الأمريكيين قبل الحرب، من الأفضل أن تستجيب لمطالب شعوبها المشروعة.
إن الإصلاح السياسي، الذي يحقق المشاركة الشعبية، وممارسة الحريات، ويصون حقوق المواطن، هو طريق الاستقرار الداخلي، وصنع الأرضية المناسبة للعلاقة الإيجابية بين مختلف الفئات الاجتماعية، دون أن تجور فئة على أخرى، وهو الذي يدفع لاتجاه تكامل الدول الإسلامية وتعاونها على أساس إرادة شعوبها ورغبتهم الصادقة.
مع أن التنوع أصيل وعريق داخل المجتمعات الإسلامية، حيث تتعدد الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب والتيارات الفكرية والسياسية في ظل العالم الإسلامي، ومع أن الحضارة الإسلامية قدمت في سالف تاريخها أروع صفحات التسامح والتعايش مع اختلاف الانتماءات، إلاّ أن واقع المجتمعات الإسلامية في العصور المتأخرة أخذ يضيق ذرعاً بحالة التنوع الطبيعية، واضطربت فيه العلاقة بين الفئات المختلفة الانتماء، حين تهيمن فئة قومية أو سياسية على مقاليد الأمور، وتجور على حقوق الفئات الأخرى.
وأصبحت مجتمعاتنا تعاني من سياسة الإلغاء والإقصاء والتمييز، على أساس الدين أو المذهب أو القومية.
وتفجرت الخلافات والنزاعات القومية والمذهبية في كثير من المناطق، ومن أسوأ حالاتها فتن الخلافات المذهبية الطائفية، حيث يستخدم الدين فيها سلاحاً للتكفير والتعبئة والتحريض.
وتطورت بعض هذه النزاعات إلى احتراب أهلي أتى على كيان الوطن، وحطم هيكل الدولة، ومزّق الشعب إلى فرق وأجزاء، كما حدث في الصومال، وفي سنين الحرب الطائفية في لبنان،وقريب منه ما حصل في أفغانستان والجزائر، والحرب بين جنوب وشمال السودان.