مبدأ الشورى و صيغة التطبيق
جوهر الشورى هو استطلاع رأي المجتمع، بشكل مباشر، أو عبر من ينوب عنه، في الأمور العامة المتعلقة به.
وقد مارسها المجتمع الإسلامي بداية نشأته وتكونه في عهد رسول الله ، وعهد الخلافة الراشدة، ضمن إطار الشورى العامة، حيث كان المسجد مركز تجمع المسلمين، وكان ذوو الرأي من المجتمع يحيطون بالقيادة، وعند أي قضية أو مسألة كان رسول الله يخاطب المسلمين المجتمعين ليطلب منهم رأيهم، ويتدارس الأمر معهم، ثم يتخذ القرار المناسب.
ومع اتساع رقعة الأمة، ودخول البلدان والشعوب المختلفة إلى الإسلام، وتطور قضايا الحياة والمجتمع الإسلامي، كان الأمر بحاجة إلى أن تتطور وسائل تطبيق مبدأ الشورى.
لكن ما حدث هو تراجع الالتزام بهذا المبدأ العظيم بعد الخلافة الراشدة، في العهدين الأموي والعباسي، عدا زمن خلافة عمر بن عبدالعزيز. وبذلك دخلت الأمة نفقا اختلف عن العهود السابقة، والذي أوصلها إلى حالة من الركود والتخلف، امتدت إلى عهد العثمانيين، حتى أستفاقت الأمة على هول الصدمة مع تقدم الصليبيين، ونهضة أوروبا الحديثة. وسيطرة الاستعمار الغربي على أغلب بلدانها وشعوبها. وفي عصرنا الحاضر، فإن المجتمعات البشرية المتقدمة، طورّت تجاربها السياسية والاجتماعية، على صعيد نهج الشورى والديمقراطية، وأصبحت السلطة تعتمد على ثلاث دعامات مستقلة عن بعضها هي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وهناك دستور يشكل مرجعية لهذه السلطات، وانتخابات يختار فيها الشعب ممثليه.
والمجتمع الإسلامي يمكنه الاستفادة من تجارب الشعوب والمجتمعات الأخرى، بما لا يتنافى مع قيمه ومبادئه.
لقد قرر الإسلام مبدأ الشورى لكن صيغ التطبيق، وأساليب التنفيذ، قابلة للتغيير والتطوير، حسب اختلاف الظروف، وتطور مستوى المجتمع، وقضايا الحياة.
يقول سيد قطب (في ظلال القرآن): «أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوباً في قالب حديدي، فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان».
ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي: «أما تبيين من يحوز ثقة المسلمين، فالظاهر في بابه أنه لا يمكن أن يختار له اليوم نفس ذلك الطريق الذي اختاره المسلمون في بدء الإسلام، خاصة وأن ما يواجهنا اليوم من العقبات والمشكلات، لم يواجه الناس حينذاك، فيجوز أن نستخدم اليوم على حسب أحوالنا وحاجاتنا كل طريق مباح يمكن به تبين من يحوز ثقة الأمة».
وأضاف: «ولا شك أن طريق الانتخاب في هذا الزمان هي أيضاً من الطرق المباحة، بشرط أن لا يستعمل فيها الحيل والوسائل المرذولة» (الدكتور عبدالحميد إسماعيل الأنصاري في كتابه: الشورى وأثرها في الديمقراطية).
ويرى الدكتور أحمد شوقي الفنجري أنه: إذا أردنا ترجمة صادقة وأمينة لكلمة الشورى في عصرنا هذا لقلنا انها تعني الحياة النيابية الحرة السليمة التي يطبقها الغرب في أيامنا هذه، ولا عجب في ذلك إذا وجدناهم أكثر منا تطبيقاً لمبادئ الإسلام.. فقديماً قال الشيخ محمد عبده: ذهبت إلى أوروبا فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وعدت إلى الشرق فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام.
وعندما سئل الشيخ محمد عبده عن الشورى في عصرنا هذا قال:
إن الشورى تعني كل ما توصل إليه الإنسان الغربي في عصرنا هذا من التنظيمات الديمقراطية الحديثة، وإذا كان تحقيق الشورى لا يتم إلا بها فإن وجودها في الإسلام واجب، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.(أحمد شوقي الفنجري، الحرية السياسية في الإسلام)
وأخيراً فإن علماء الأمة ومفكريها مطالبون بدراسة هذا المبدأ العظيم من الدين (الشورى)، ودراسة صيغ تطبيقه في العصر الحاضر، على ضوء هدي الإسلام، وتجارب المجتمعات البشرية، لتسير الأمة على طريق الخلاص من واقعها الأليم.