أكبر المخاوف أمام الإنسان «2/2»
ليس جسم الإنسان هيكلا فقط, وانما هو كالنهر الجاري, أي انه «عمل مستمر». ومن ثم تبطل جميع النظريات القائلة بان علة الموت هي وهن الجسم وفقده قوته, فان الأشياء التي فسدت او تسممت من الجسم أيام الطفولة أو الشباب, قد خرجت من الجسم منذ زمن طويل, ولا معنى لأن نجعلها سبب الموت, فسبب الموت موجود في مكان آخر, وليس في الأمعاء والأنسجة البدنية والقلب.
ويدعي بعض العلماء ان الأنسجة العصبية هي سبب الموت, لانها تبقى في الجسم الى آخر الحياة ولا تتجدد, ولو صح هذا التفسير القائل بأن النظام العصبي هو نقطة الضعف في الجسم الإنساني, فمن الممكن ان نزعم ان أي جسم خال من «النظام العصبي» لابد ان يحيا عمرا أطول من الأجسام ذات النظام العصبي, ولكن المشاهدة العلمية لا تؤيدنا, فان هذا النظام لا يوجد مثلا في الأشجار, وبعضها يعيش لأطول مدة، ولكن شجرة القمح التي لايوجد بها هذا النظام العصبي لاتعيش أكثر من سنة, وليس في كائن «الأميبا» جهاز عصبي, وهي مع ذلك لا تبقى على قيد الحياة أكثر من نصف ساعة, ومقتضى هذا التفسير ايضا ان تلك الحيوانات التي تعد من «نسل أعلى» والتي تتمتع بنظام عصبي أكمل وأجود, لابد ان تعيش مدة أطول من تلك التي هي أقصر نسلا وأضعف نظاما. ولكن الحقائق لا تؤيدنا في هذا أيضا, فان السلحفاة والتمساح وسمكة «باتيك» اطول عمرا من أي حيوان آخر, وكلها من النوع الثاني ـ حقير النسل وضعيف النظام.
لقد أخفقت تماما تلك البحوث التي استهدفت ان تجعل من الموت أمرا غير يقيني, يمكن ان لا يقع, فبقي الاحتمال الذي فرضته الحكمة الالهية, وهو ان يموت الإنسان في اي عمر وفي أي زمن, ولن نستطيع العثور على أي مكان يمنع الموت رغم جميع الجهود.
ليس من عادة الموت ان يرسل انذارا او اشعارا عن قدومه, حتى ينهي الإنسان أعماله ويستكمل استعداداته, بل يأتي فجأة ودون سابق إشعار, وفقا للأجل الذي يعينه ويحدده الله سبحانه وتعالى لكل حي.. يقول تعالى: ﴿فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ «سورة الأعراف 24».
فقد يأتي الموت للانسان وهو في قمة اللذة والشهوة.. وقد يأتيه وهو يضع اللمسات الأخيرة على مشروع قد عمل له فترة طويلة.. وقد يأتي الموت والإنسان متورط في اوحال الجريمة او المعصية.. وقد يأتيه وهو في أسعد لحظات حياته.
ماذا بعد الموت؟ هذا هو أخطر سؤال يقلق الإنسان عند تفكيره في الموت, فالمشاهد التي يلاحظها الإنسان لأوضاع الموتى, جديرة بأن تثير قلق الإنسان وانزعاجه, فكيف بالجانب الآخر الغيبي الذي لا نراه لما يكون عليه الميت؟ ان كل ما نعرفة هو ان الإنسان بعد الموت يصبح جثة هامدة خامدة, قد غادرتها روح الحياة, وانعدمت فيها القدرة على التحرك والنشاط.
فيحمل الناس تلك الجثة الهامدة ليودعوها حفرة عميقة في باطن الأرض, ثم يغطوها بالتراب حتى تتساوى تلك الحفرة مع الأرض, وبعد ذلك تنقطع كل معلوماتنا وارتباطاتنا ومعرفتنا بما يحدث لذلك الميت في أعماق الأرض.
ان ما بعد الموت أشد وأدهى من الموت, هناك الحساب والعقاب والجزاء, والوقوف بين يدي الله يوم القيامة.
افضل طريقة للتعامل مع الموت خطر الموت الحتمي يختلف عن سائر الأخطار التي يخافها الإنسان في أننا لا نستطيع ان نقدم أي مساعدة للانسان من أجل مواجهة او مقاومة الموت.. كما اننا لا نستطيع نزع هيبة الموت من نفس الإنسان وتشجيعه على عدم التخوف منه.
نعم يمكننا تقديم النصيحة التالية من أجل تعامل أفضل مع هذا المصير الذي لابد منه وهي:
نحن كمسلمين نعتقد بلطف الله ورحمته, ونؤمن بالآخرة والحساب وبكل شؤون الغيب. لذلك يمكننا ان نستقبل الموت بنفوس واثقة مطمئنة حينما نلتزم بحدود الله ونطبق اوامره ونتجنب نواهيه في هذه الحياة.. فأولياء الله لا يزعجهم الموت كثيرا بل يعتبرونه بطاقة دعوة لدخول جنة الله كما يقول تعالى ﴿يا أيتها النفس المطمئنة, ارجعي الى ربك راضية مرضية, فادخلي في عبادي, وادخلي جنتي﴾ «سورة الفجر 27ـ30».
والنصوص الدينية تؤكد سهولة الموت ويسره على الإنسان المؤمن الملتزم يقول تعالى ﴿الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾ «سورة النحل 28» بينما تتحدث عن بشاعته وصعوبته بالنسبة للكافرين والظالمين والمنحرفين فلهم وضع آخر عند الموت, يقول عنه تعالى ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق, ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد﴾ «سورة الأنفال 50ـ51».
وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ما الاستعداد للموت؟
فقال: «أداء الفرائض, واجتناب المحارم, والاشتمال على المكارم, ثم لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه! والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت ?أم وقع الموت عليه!! »