المشاكل بين الآهات والمعالجات
يودّ الإنسان أن يعيش حياته دون مشاكل أو صعوبات، وأن لا تعترض طريقه عوائق وعقبات، بيد أن القسم الأكبر من المشاكل التي يواجهها إنما تنبع من ذاته، وتحصل بسبب نواقصه وأخطائه، وبإمكانه تجاوزها بمزيد من المعرفة والاستقامة والاجتهاد.
وهذا ما تشير إليه آيات عديدة في القرآن الكريم، تحمّل الإنسان فرداً ومجتمعاً، مسؤولية ما يقع عليه من نكسات وآلام، يقول تـعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[1] أخرج ابن المنذر وجماعة عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ﴾ قال : « والذي نفسي بيده ما من خدش عود، ولا اختلاج عرق، ولا نكبة حجر، ولا عثرة قدم، إلا بذنب، وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر» [2] . والذنب يشمل كل مخالفة لأحكام الشريعة أو قوانين الطبيعة.
وهناك قسم من المشاكل تقتضيها حكمة الحياة، فإن الإنسان ينطوي على مخزون من القدرات والطاقات، ويحتاج إلى دوافع وحوافز تستثير إمكاناته، وتستنهض قواه، وغالباً ما تلعب المشاكل والتحديات هذا الدور في حياة الإنسان، فالحاجة أُمّ الاختراع، والمشكلة تدفع إلى التفكير والحركة، وما الاختراعات العلمية، والإنجازات الصناعية، في مختلف المجالات، إلا استجابة من الإنسان للتحديات التي شعر بمواجهتها، وعاش تحت وطأة ضغوطها.
لقد هيأ الله تعالى للإنسان في هذه الحياة كل أسباب السعادة والكمال، حتى لا يعاني حاجة أو نقصاً، لكن ذلك مشروط بحركة الإنسان وسعيه، وبالسعي والحركة تتفجر طاقاته، وتنصقل شخصيته، وتتسع مداركه وآفاقه، إلى جانب توفير متطلباته وتحقيق طموحاته.
وبالتالي فإن لكل مشكلة حلاً، ولكل داء دواءً، وما على الإنسان إلا الاجتهاد في التفكير، والجد في الحركة والعمل، ليصل إلى ما يريد، فبعض المشكلات تحتاج معالجاتها إلى مستوى أعلى من النشاط، وبعض التحديات تستوجب بذل درجة أكبر من الجهد.
وكمثال على ذلك فإن أمراضاً كانت تفتك بالإنسان وتودي بحياته، لكن كفاح العلماء المتواصل مكّن الإنسانية من التغلب على خطرها، عبر التلقيح وأدوية العلاج كالجدري والحصبة والملاريا وأمثالها. وهكذا في مجال مقاومة الحر والبرد حيث صنع الإنسان وسائل التكييف والتدفئة، وفي مجال المواصلات والاتصالات وغيرها. فإن كل الاختراعات والاكتشافات، كانت من وحي الحاجة ومواجهة المشكلة.
ولتأكيد هذه الحقيقة ورد عن رسول الله قوله فيما رواه أبو سعيد الخدري (رضي اللَّه عنه)، عنه : « إن الله تعالى لم ينزل داءً إلا أنزل له دواءً علمِه من علمه، وجهله من جهله إلا السأم وهو الموت »[3] وقال الإمام علي : « لكل علة دواء »[4] .
هكذا يكون وجود المشاكل طريقاً لتفعيل قدرات الإنسان، وتنمية طاقاته. وحتى بالنسبة للأنبياء والأولياء المعصومين فإن المشاكل التي تواجههم والآلام التي تحلّ بهم، هي التي تبرز كفاءتهم، وتظهر مقامهم المتميز، إضافة إلى ما ينالون بتحملها من الأجر والثواب عند الله سبحانه.
على ضوء هذا الفهم لطبيعة مشاكل الحياة، فإن على الإنسان أن لا يستسلم ولا ينهزم أمام أية مشكلة أو عقبة، بل عليه أن يعود لذاته، وأن يفتش عن الخلل والخطأ الذي حصل منه، وأنتج المشكل، هل هو نقص في المعرفة والوعي؟ أم هو تقصير في الحركة والسعي؟ أم هو انحراف في الممارسة والسلوك؟ وعبر إصلاح ذاته، وتغيير نفسه إلى الأفضل، سيتمكن من تجاوز المشكل والتغلب عليه. كما يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [5] وكم من فرد كان يعيش وضعاً متردياً، ثم تجاوزه إلى حالة متقدمة، بعد أن غيّر ذاته، وأصلح الخلل في شخصيته؟ وكم من شعب كان يعاني التخلف والاضطهاد، ثم نال حريته وحقق تقدمه، حينما أنجز مهمة الثورة والكفاح، وقاوم عوامل الضعف والخنوع؟
وإذا كان المشكل قد أنتجته ظروف وأوضاع خارجية، فإن الإنسان إذا ما استثار فكره، واستنهض إرادته، واستجمع قواه، فسيجد له من أمره فرجاً ومخرجاً. ذلك أن المشكل ليس قدراً مفروضاً، ولا حتمية أبدية، بل هو كأي وضع أو حدث قابل للتغيير والزوال، ضمن إطار سنن الكون والحياة.
إذاً فلا داعي للانهيار أمام المشكل، ولا الاستسلام والانهزام أمام التحديات، بل يجب شحذ الهمة، وحشد الجهد والطاقة، بالتوكل على الله تعالى والثقة برحمته.
وبهذه الحقيقة نطقت آيات الذكر الحكيم لتشيع في نفوس البشر الأمل والتفاؤل، وتعزز في قلوبهم الثقة والإرادة، وتدفعهم للبحث عن وسائل التغيير والتطوير. يقول تعالى:﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [6] ويقول تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [7] وما أروع هذه الآية الكريمة التي تعبّر عن مفهوم عظيم، وتنبئ عن حقيقة هامة: إن كل عسر يبشّر بيسر، وإن كل مشكل يكون باباً وطريقاً إلى مكاسب وإنجازات، إذا ما استجاب الإنسان للتحدي، وتعاطى مع المشكل بإيجابية ووعي.
وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [8] والتقوى هنا بمفهومها الواسع الشامل والتي تعني مراعاة القوانين والسنن الطبيعية والشرعية، والمتقي بهذا المعنى لا يجد نفسه أمام طريق مسدود، بل يبتكر الحلول، ويجدد المحاولات، للخروج من أي مشكل أو مأزق. كما أن مفاهيم الإسلام التي تحرّم اليأس والقنوط إنما تريد أن تخلق في نفس الإنسان روح الأمل، وقوة الإرادة، حتى لا يستسلم ولا ينهزم أمام المشكلات.
فالقنوط تكريس للخطأ والسوء، ومن يتصف به يضل عن طريق التقدم والصلاح ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ﴾[9] وإذا ما سيطر الاستسلام واليأس على نفس الإنسان، فإنه يفوّت عليه فرص التغيير والخلاص، كما يقول الإمام علي : « في القنوط التفريط »[10] .
ألف كثير من الناس كأفراد ومجتمعات أن يجروا الآهات، ويتباروا في إظهار التألم من وقع المشكل وتأثيراته، فأدباؤهم ينظمون أشعار الحزن والأسى، وكتابهم يتفننون في توصيف النكبات والآلام، ومجالسهم تبدأ ولا تنتهي في التباكي على المصائب، وإبراز التبرم من مشاكل الواقع، ويبقون يراوحون مكانهم، ويستمرون في دوامة التأوه والتألم.
ولكن هل البكاء مجدٍ في تغيير الواقع السيئ؟ وهل تكرار الحسرات وجرّ الآهات يعالج المشاكل ويحلها؟ أم أنه مجرد تنفيس لإراحة النفس بشكل زائف، ولتصريف الحماس والانفعال بطريقة خاطئة؟
إن البكاء سلاح العاجز، والتظلم وسيلة الضعيف، وهي طريقة متخلفة في التعامل مع تحديات الحياة. والموقف الصحيح يجب أن يبدأ من التفكير في طرق الحل، واستعراض وسائل المعالجة، ومن ثم اتخاذ قرار المبادرة للتصدي لمواجهة المشكل.
فمثلاً يتحدث بعض المتدينين في جلساتهم ومجالسهم عن انتشار المفاسد والانحرافات، وخاصة في أوساط الشباب والفتيات، ويزايدون على بعضهم البعض في ذكر القصص والأحداث السيئة في هذا المجال، وينعون حالة التدين، وانهيار الأخلاق في المجتمع، ويختمون جلستهم بالتأوه والتألم كما بدأوها، دون أن يتجاوزوا توصيف المشكلة إلى تلمّس طرق الحلول والمعالجات، ودون أن يطالبوا أنفسهم بمبادرة ما، لصالح نشر القيم الدينية، وبث الوعي السليم، أو استيعاب أبناء المجتمع في برامج ومشاريع نافعة مفيدة.
وفي مجال آخر تجد من يتحدث عن مشاكل التعليم، وخاصة مع انتهاء السنة الدراسية، ووجود عدد كبير من المتخرجين من المرحلة الثانوية، والباحثين عن فرص الالتحاق بالجامعات وخاصة في بعض التخصصات الهامة كالطب، فهناك كلام في الجرائد والمجالس عن هذه المشكلة والمعاناة سنوياً، لكن ما هو دور الأهالي ورجالات المجتمع في المساعدة على حل هذه المشكلة؟
وكيف يمكن خدمة أبنائنا وبناتنا وخاصة المتفوقين والمتفوقات من ذوي المعدلات العالية في تحقيق طموحهم الدراسي؟ لماذا لا يستفاد من التوجه للتعليم الأهلي الجامعي؟ ولماذا لا نساعد أبناءنا وبناتنا على الابتعاث ونهيئ لهم الأجواء الصالحة المساعدة؟
إن أي مجتمع لا يخلو من المشاكل والنواقص حتى في أكثر البلدان تطوراً وتقدماً، لكن المجتمع الواعي هو الذي يفكر في حل مشاكله، ويسعى إلى معالجة قضاياه، ولا يكتفي بتكرار الحسرات والآهات.
ينقل أن أحد الأثرياء الواعين كان يأخذ على أهل قريته انعدام المبادرة لديهم في حلّ مشكلات حياتهم، وأراد أن يقدم لهم نموذجاً عملياً، فقام مبكراً ذات يوم وحمل حجراً كبيراً ووضعه في الطريق الرئيسي الذي يسلكه أهل القرية إلى مزارعهم، ووضع تحت الحجر مبلغاً كبيراً من المال، ثم اختبأ خلف شجرة يراقب..
فمر فلاح يجرّ وراءه بقرة سمينة، فوجد الحجر في الطريق فأخذ يسخط ويلوم، وبالكاد مر ببقرته، تاركاً الحجر مكانه..
ثم جاء رجل آخر يحمل حزمة من الحطب على كتفه، ويسير في الطريق، فاصطدم بالحجر دون أن يراه، وتعثر ووقع الحطب، وقام الرجل ساخطاً يسبّ ويتألم، ثم جمع حطبه وحمله وسار في طريقه متبرماً والحجر لا يزال مكانه. وهكذا مرّ العديد من الرجال، ولم يزد أحد منهم على إبداء السخط والاستياء من وجود هذا الحجر في وسط الطريق، وسب وشتم من وضعه، وربما تحادث بعضهم مع بعض لتبادل الآهات والتعبير عن السخط والانزعاج.
وفي آخر النهار مر شاب تبدو على وجهه علامات التعب الشديد من كثرة العمل في الحقل طوال النهار، لكنه لما رأى الحجر منتصباً وسط الطريق، شمّر عن ساعديه، وحاول بكل جهده وقوته أن يزيحه، وبعد جهد وعناء تمكن من ذلك وأبعد الحجر، فوجد تحته مبلغاً كبيراً من المال، فظن أنه سقط من أحد من أهالي القرية، فرفع صوته منادياً على السائرين في الطريق إن كان أحد منهم قد فقد شيئاً من ماله.. وهنا ظهر ذلك الرجل الواعي الذي وضع الحجر وأخفى المال تحته، ليعانق الشاب ويهديه المبلغ ويشكره على مبادرته الطيبة وروحيته الإيجابية، ثم قدمه لأهالي القرية كنموذج لما ينبغي أن يكونوا عليه من التصدي لحل المشكل وإزالة العقبات، وعدم الاكتفاء بإظهار التبرم والسخط والتألم.
بعض الأفراد والمجتمعات حينما تمر عليهم ظروف غير مريحة، يتعرضون فيها لضيم أو عدوان، فإنهم ينكفئون على أنفسهم، ويدمنون حالة اجترار الغبن، وتسود أجواءهم حالة التشكي والتذمر، وبذلك يتضاءل مستوى الفاعلية والنشاط لديهم، وتضعف القدرات، وتضيع الفرص.
أما المجتمعات الواعية فإنها تحاول استيعاب الصدمات، والخروج من آثارها النفسية بأسرع وقت ممكن، للإنطلاق من إمكاناتها الحاضرة، واستثمارها في بناء الذات، وتقوية الوجود، والالتفاف بالتالي على واقع الضعف والانكسار.
وقد ضرب اليابانيون أروع مثل على هذا الصعيد، فاليابان بعد الحرب العالمية الثانية 1945م خرجت من المعركة محطمة منهكة، حيث ضربت بالقنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي، وبلغت خسائرها البشرية مليونين وثمانين ألف شخص، وخسائرها الاقتصادية قدرت بخمسمائة واثنين وستين مليار دولار، وفرضت عليها الهزيمة والاستسلام بشروط مذلة، منها القبول بوجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، وتحديد قدراتها العسكرية جيشاً وتصنيعاً بحدود حاجتها الداخلية.. ورغم الصدمة العنيفة التي أصابت اليابانيين بقرار الاستسلام الذي اتخذه الإمبراطور والحكومة، وانتحر على أثره آلاف الضباط.. إلا أنهم سرعان ما استوعبوا الصدمة، وتجاوزوها بخطط تربوية وتعليمية صارمة، وببرامج اقتصادية وتكنولوجية طموحة، وعادت اليابان قوة اقتصادية عملاقة، تنافس أقوى الدول اقتصادياً وتكنولوجياً. ولو انشغل اليابانيون بمآتم الحزن والبكاء، وسيطرت على نفوسهم حالة التشكي واجترار الغبن، لما حققوا شيئاً من هذا التقدم الكبير.
قبل ستين سنة تقريباً نشرت بعض المجلات في مصر ومناطق أخرى مقالات تتهجم على أتباع مذهب أهل البيت ، وتعتبرهم خارجين عن دائرة الإسلام، وتصفهم بالجهل والخضوع للخرافات والأساطير، وأنهم لا يمتلكون تراثاً ولا شخصيات تستحق الاحترام، وعلى أثر هذه المقالات سادت حالة من الاستياء والسخط في أوساط الحوزة العلمية في النجف الأشرف - العراق، وهي المركز العلمي والمذهبي للشيعة، وعطلت الدروس احتجاجاً على هذه الإساءات، وتحدث الخطباء في المجالس منددين بذلك، لكن ثلاثة من العلماء ما كانوا يرون في مظاهر التنديد وإعلان السخط والاستياء أمراً كافياً في مواجهة هذا العدوان.
بل قرر كل واحد منهم أن ينجز مشروعاً علمياً معرفياً يخدم به المذهب، ويقدم الطائفة للآخرين من خلال تاريخها وثقافتها ورجالاتها.
أحدهم كان السيد محسن الأمين العاملي كتب موسوعة (أعيان الشيعة) والثاني هو السيد حسن الصدر كتب بحثاً هاماً طبع في مجلد كبير تحت عنوان (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) والثالث هو الشيخ آغا بزرك الطهراني ألف موسوعة ضخمة بعنوان (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).
هذه الموسوعات الثلاث أصبحت مراجع ومصادر أساسية ونالت مكانة مرموقة عند الباحثين وكانت أفضل رد وجواب على المتجاهلين والمغرضين. وهكذا يجب أن يكون التعاطي مع المشاكل بالمبادرة إلى العمل وتحقيق الإنجازات، وليس الاكتفاء بالتذمر والتشكي واجترار الغبن.
التعامل الإيجابي الصحيح مع أي مشكل ينبغي أن يكون عبر الخطوات التالية:
1. الدراسة الموضوعية: لمعرفة حقيقة المشكل وحجمه، وأسبابه وخلفياته، ومدى الآثار والانعكاسات التي ينتجها، وذلك بعيداً عن التهويل والتضخيم، والاستهانة والتبسيط، بل دراسة الأمور بواقعية وموضوعية. فقد تختلط الأشياء على الإنسان، ويتوهم ما لا واقع له، وقد يعتمد الإنسان في تصوراته على الظنون والتخيلات.
2. التفكير في الحلول: انطلاقاً من أن لكل مشكلة حلاً، ومن الإيمان بطاقات الإنسان الخلاقة، وقدراته العقلية الثاقبة، فإنه إذا ما وجه عقله نحو نقطة معينة، واستعرض مختلف الخيارات والاحتمالات، واجتهد في إبداع الحلول، وابتكار الأساليب والوسائل، فإنه يهتدي إلى طريق الحل والعلاج، ولو قرأنا تجارب المخترعين والمكتشفين والعظماء والمصلحين، لرأينا كيف تمكنوا من تجاوز العوائق والعقبات، وتوصلوا إلى تحقيق الطموحات والإنجازات، بعد جهد فكري عميق، وعمل ذهني شاق.يقول الإمام على : « من اسهر عين فكرته بلغ كنه همته »[11] ويقول : « بالفكر تنجلي غياهب الأمور »[12] .
إن ما يعاني منه الكثيرون تجاه المشاكل والصعوبات، هو وقوعهم تحت تأثير العواطف والانفعالات النفسية، على حساب إعمال العقل، وتركيز الفكر.
3. تحمّل المسؤولية: فالبعض ينتظرون أن تحلّ مشاكلهم عن طريق الغيب، ويتوقعون المعجزة من المجهول، ويترقبون التغيير والإصلاح عن طريق الدعاء، أو حدوث تطورات ما في هذه الحياة، وفي بعض الأحيان يعلقون الآمال على هذه الجهة أو تلك لتحقيق ما يرغبون.
وهذه كلها تصورات مخالفة لمنطق الحياة، وللقوانين والسنن، فإن الله تعالى لا يريد تربية عباده على العجز والكسل، ولذلك يحملهم المسؤولية عن أوضاعهم، ويحثهم عبر رسالاته وأنبيائه على العمل والجد والاجتهاد، فواقع الإنسان نتاج عمله وكسبه ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ﴾ [13] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [14] .
فلا بد من تحمّل المسؤولية تجاه أي مشكل، والاستعداد للبذل والتضحية من أجل تجاوزه، وأن لا يعيش الإنسان على الآمال والتوقعات، فمشاكلنا تعنينا، ونحن المطالبون بالتصدي لمعالجتها، وعلينا أن نبذل الجهد، ونعطي من أنفسنا لتحقيق ذلك.
4. التشاور والتعاون: فتبادل الرأي واستعراض وجهات النظر بين المهتمين بالشأن الاجتماعي، يساعدهم على الوصول إلى أفضل الآراء وأصوبها، كما أن تظافر الجهود، واجتماع القوى والارادات يمكن من تذليل الصعاب، وإنجاز المهام الكبيرة.
وبدل أن يتبارى الناس في إعلان الآهات والحسرات، عليهم أن يتنافسوا في طرح المعالجات، ويتعاونوا في تقديم المشاريع العملية لتجاوز ما يواجهونه من المشكلات.
يقول الإمام الحسن : « ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم »[15] ويقول الله تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الـْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾[16] .