مكانة أهل البيت عليهم السلام
من الطبيعي ان يحتل آل بيت رسول الله مكانة مرموقة متميزة في نفوس ابناء الأمة، وأن تهفو لهم قلوب المسلمين وأفئدتهم، حيث ان هناك عوامل وأسباب عديدة توجب ذلك وتفرضه، ومن أبرزها ما يلي:
البعد الامتدادي:
أهل البيت عليهم السلام شكلون الامتداد الطبيعي لرسول الله

وهو أمر فطري وجداني أشار إليه رسول الله

وتأسيساً على هذه الحقيقة فإن رسول الله


روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله

بل إن محبة المسلمين لنبيهم

ينقل الدكتور محمد بيوّمي مهران، أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم في جامعة الإسكندرية بمصر، وهو عالم باحث محقق، وعضو في عدة هيئات ولجان علمية، أعير الى جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض، في الفترة 1973-1977م، ثم أعير الى جامعة أم القرى بمكة المكرمة، في الفترة 1983-1987م. ينقل هذا الدكتور في كتابه (الإمامة وأهل البيت) القصة الطريفة التالية:
روى "ابن شهراشوب" في مناقبه: أن الإمام أبا حنيفة جاء ليسمع من الإمام جعفر الصادق، فخرج إليه الإمام جعفر يتوكأ على عصا، فقال أبو حنيفة: يا ابن رسول الله، لم تبلغ من السن ما تحتاج معه الى العصا، قال:« هو كذلك، ولكنها عصا رسول الله

فوثب أبو حنيفة وقال: أُقبّلها يا ابن رسول الله.
فحسر أبو عبدالله جعفر الصادق عن ذراعيه، وقال له:« والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله، وأن هذا من شعره، فلم لا تقبّله، وتقبّل العصا؟»[3] .
وتتناقل أوساط الأمة جيلاً بعد آخر أحاديث عديدة عن رسول الله


كقوله

وكقوله


ومثله ما رواه ابن حنبل عنه



هذه الأحاديث وكثير مثلها تشير الى تلك العلقة والصلة الطبيعية لأهل البيت عليهم السلام برسول الله

النصوص الشرعية :
يجد المسلم نفسه ملزماً باتباع النص الشرعي الوارد في الكتاب والسنة ، وأن يأخذ به ويطبقه ، امتثالاً لأمر الله تعالى ، وتقرباً إليه ، وطلباً لرضاه ، وأساساً فإن الاسلام يعني التسليم لله والعبودية له .
كما يعتقد المسلم بأن أي أمر لله تعالى إنما يستهدف مصلحة الإنسان في دنياه و آخرته.
وحينما تتعدد النصوص الشرعية وتستفيض وتتواتر بكثافة حول أمر من الأمور ، فذلك يعني أهمية خاصة، وعناية إلهية مؤكدة ، تدفع المسلم للحرص عليه ، وأخذه بكل جد واهتمام .
من هذا المنطلق فإن ما ورد من نصوص شرعية كثيرة صحيحة ثابته عن فضل أهل البيت ، ومكانتهم عند الله ورسوله ، وحقوقهم على الأمة ، هو أرضية هذا الولاء العميق لأهل البيت عند المؤمنين ، وهو الذي أوجب انشداد الأمة للعترة النبوية ، وغمر قلوب المسلمين بمحبتهم وعشقهم .
وصحيح أن هناك نصوصاً شرعية قد وردت في فضل الصحابة ، وفي الإشادة بمكانة بعضهم ، وامتداح مواقفهم الجهادية المشرقة ، إلا أنها بمجملها لا ترقى الى درجة ومستوى ما ورد حول أهل البيت عليهم السلام، لا من ناحية الكم، ولا من حيث قوة السند، ولا علىصعيد المضمون والدلالة.
فهي نصوص كثيرة العدد جداً، وقسم كبير منها اتفق المسلمون سنة وشيعة على قبوله وصحة سنده ، وفي تلك النصوص دلالات واضحة على تميّز أهل البيت وأفضليتهم ، وعلى لزوم اتباعهم والتمسك بهم .
وكمثال بسيط نشير هنا الى ما نقله الحاكم النيسابوري في المستدرك عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي[10]
وأخرج بن عساكر عن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي[11]
من الذكر الحكيم:
ويأتي في طليعة النصوص الشرعية آيات من الذكر الحكيم، اتفق جمهور علماء المسلمين على نزولها في أهل البيت عليهم السلام.
كآية المباهلة وهي قوله تعالى ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ آل عمران 61. والتي نزلت عند مجئ وفد نصارى نجران لمناظرة النبي


وكآية التطهير وهي قوله تعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب 33.
قال الشيخ ابن تيمية:
وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: أن هذه الآية لما نزلت أدار النبي




وكآية المودة وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ الشورى 23.
قال ابن حجر الهيتمي: أخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن هذه الآية لما نزلت قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال

من السنة النبوية:
أما الأحاديث النبوية الصادرة عن رسول الله

وفي طليعة تلك الأحاديث المتواترة ما روي عنه

وكذلك حديث الثقلين الذي ورد بطرق كثيرة صحيحه، منها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله

وأورده الألباني في الأحاديث الصحيحة تحت رقم 1767 بلفظ الترمذي عن جابر بن عبدالله عنه

وقد أثبت الألباني صحة الحديث وذكر عدة شواهد له من أحاديث أخرى صحيحة.
هذه الأحاديث وأمثالها هي التي غرست في القلوب محبة أهل البيت، وكرّست في جمهور المؤمنين موالاتهم، ودفعتهم لاتباعهم.
التفوق العلمي:
لكفاءة تفرض نفسها، وتستقطب الاحترام والاهتمام، ولأن أهل البيت عليهم السلام كانوا يمتلكون كفاءة علمية فائقة، فإن أعلام الأمة كانوا ينتهلون من علومهم، والخلفاء كانوا يلجأون إليهم في القضايا الصعبة، وجماهير الأمة كانت ترى فيهم مرجعية علمية معتمدة.
يتحدث السيد أبو الحسن الندوي في كتابه (المرتضى) عن رجوع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للإمام علي ابن أبي طالب في المعضلات والمشاكل، فيقول:"وكان علي لسيدنا عمر ناصحا أمينا، وقاضيا في المعضلات حكيما، يفض المشكلات، ويزيح الشبهات، حتى أثر عن سيدنا عمر أنه قال: لولا علي لهلك عمر، واشتهر في التاريخ والأدب وذهب مثلا:"قضية ولا أبا حسن لها" وروي عن النبي

وقد لاحظ الدكتور ظافر القاسمي أستاذ العربية و العلوم الإسلامية في الجامعة اللبنانية، والباحث المعروف، عند بحثه لموضوع السلطة القضائية في الشريعة و التاريخ الإسلامي، الملاحظة التالية:" أما علي ابن أبي طالب فقد كان أقضى الصحابة، والظاهر أنه كان يُستشار، ولا يستشير. ومن يدري؟ فإن ورع الإمام ربما دعاه لأن يسأل، وأن يستشير، ولكن لم ترو لنا الكتب حادثة استشار فيها علي أحدا من الصحابة)[19]
والتفسير الصحيح لهذه الملاحظة هو اكتفاء الإمام علي من الناحية العلمية، وتفوقه على معاصريه، لذا لم يكن بحاجة للرجوع إلى أحد في أي مسألة أو مشكلة.
ويتحدث الشيخ محمد أبو زهرة عن علم الإمام جعفر الصادق فيقول: " ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم في أمر، كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق وعلمه، فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه وأخذوا، أخذ عنه مالك رضي الله عنه، وأخذ عنه طبقة مالك، كسفيان بن عيينه، وسفيان الثوري، وغيرهم كثير، وأخذ عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السن، واعتبره أعلم أهل الناس، لأنه أعلم الناس باختلاف الناس، وقد تلّقى عليه رواية الحديث طائفة كبيرة من التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم من أئمة التابعين في الفقه والحديث، وذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين ومن جاء بعدهم، والأئمة المجتهدين الذين أشرنا إلى بعضهم)[20]
وهكذا كان كل إمام من أئمة أهل البيت مرجعية علمية في عصره، لا يوازيه أو يدانيه أحد من العلماء والفقهاء، مما عزز مكانة أهل البيت في أوساط الأمة، وأحاطهم بأعلى درجات التقدير والاحترام.
مكارم الاخلاق:
تعشق النفوس كل نزيه طاهر السلوك، ويحب الناس من يجسد مكارم الأخلاق في شخصيته وحياته، ويحترمون من يعاملهم بالإفضال والإحسان.
وقد رأى المعاصرون لأهل البيت عليهم السلامفي سيرتهم كل مظاهر الكمال والفضل، من صفاء النفس، ونقاء السلوك، وحسن المعاملة، والعطاء الوافر للمحتاجين، والاهتمام بمشاكل الفقراء والضعفاء والعفو عن المسيئين. وهم بذلك يمثلون الامتداد والاستمرارية لأخلاق جدهم الرسول الكريم

المظلومية والمعاناة:
ما وقع على أهل البيت من الظلم والأذى، من قبل الحاسدين لهم، والذين كانوا يخشون على سلطتهم وعروش حكمهم، من عظيم شعبية أهل البيت، وسعة نفوذهم وهيمنتهم على القلوب والنفوس، لذلك وجهوا لهم سهام الأذى، وأصابوهم بمختلف ألوان الاضطهاد، وتكفي واقعة كربلاء نموذجا ومظهرا لمظلومية أهل البيت ومعاناتهم.
هذه الآلام والمآسي التي وقعت على أهل البيت عليهم السلام أوجدت تعاطفا كبيرا في نفوس أبناء الأمة معهم، لأن من طبيعة البشر، التعاطف مع المظلومين.
وقد تحول هذا التعاطف إلى برامج مستمرة، وشعائر دائمة يقيمها أتباع أهل البيت في كل مكان وزمان، لتكريس الولاء والمحبة لهم، ولتجديد قراءة سيرتهم العطرة، ومواقفهم المجيدة.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الولاء لرسول الله ولأهل بيته الأطهار وأصحابه الأخيار، وأن يجعلنا من المقتدين بهديهم، ويحشرنا في زمرتهم يوم القيامة.