التكافل الاجتماعي
قال الله العظيم في كتابه الحكيم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[1] صدق الله العلي العظيم.
إنّ لك ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى:
أودع الله سبحانه وتعالى في هذا الكون من الخيرات والثروات ما يكفي لإعاشة كل الكائنات الحية فيه وخاصة الإنسان، فإن خلق كل واحد من أبناء البشر وخلق كل كائن إنما يكون بإرادة الله سبحانه وتعالى، وكل شيء يوجد في هذا الكون فإن وجوده بإرادة خاصة متوجهة إليه من قبل الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى لا يخلق مخلوقاً ولا يخلق كائناً إلا ويقدّر له رزقاً في هذه الحياة.
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾[2] .
وفي آية أخرى يقول تعالى:﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾[3] قوت كل الأحياء وكل البشر وكل الكائنات الحية مقدر في هذا الكون، والكون فيه خيرات وثروات تكفي وتفيض أيضاً عن حاجة وإعاشة كل الكائنات الحية فيه.. ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾[4] فالثروة والخيرات موجودة في هذا الكون.
ومن هنا تحفظ العلماء على النظرية السكانية المشهورة التي طرحها روبرت سمالتس، وهو مفكر إنكليزي توفي سنة ألف وثمانمائة وستة، نظريته تعتبر من أبرز وأشهر النظريات في المسألة السكانية، ولا تزال هذه النظرية رائجة، وتعتبر نظرية رائدة في الغرب
هذه النظرية تحتوي على عدة نقاط مهمة:
النقطة الأولى: أنه يرى أن الطعام والرغبة الجنسية هما من أبرز الحاجات الأساسية عند الإنسان في هذه الحياة.
النقطة الثانية: قدرة الإنسان على التناسل والإنجاب في هذه الحياة أكبر من قدرة الأرض على توفير موارد الإعاشة للناس.. فإذا تركنا المجال للبشر أن يتناسلوا ستكون حالة التناسل أكثر من قدرة موارد الأرض على إعاشة الناس الذين يخلقون ويعيشون فيها. ويرى أيضاً أن هناك توالياً هندسياً في النمو السكاني عند الناس بينما هناك توالٍ عددي في نمو الموارد الموجودة في الأرض، فالتوالي الهندسي زيادة مطردة: واحد واثنان وأربعة وثمانية وستة عشر وهكذا، فالبشر يتكاثرون بهذه الطريقة، بينما موارد الأرض تنمو بطريقة التوالي العددي واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة وهكذا، وبالتالي لا يوجد توازن بين التناسل وبين موارد الأرض.
يقول في هذه الحالة سوف يواجه البشر مشكلة، وهي أن هناك بشراً سيخلقون وليس لهم معيشة في هذه الحياة، ولا يوجد لهم رزق، فما الحل؟!
يقول هناك أحد حلين، إما نترك البشر على رسلهم لكي يتناسلوا لكن نتخلص من الزيادة بإيجاد الحروب أو الأمراض نتخلص فيها منهم حتى يكفي الرزق للباقي، أو ننظم عملية التناسل من الأصل. ولذلك الآن راجت مسألة تنظيم النسل بناءً على هذا الأساس، ينظم تناسل البشر بشكل متعادل مع الموارد الموجودة في الأرض.
وقد تحفّظ على هذه النظرية حتى أغلب العلماء الغربيون؛ فهي نوقشت ووجدت ردود عليها.
ومن الناحية الإسلامية هناك اعتراض واضح على هذه النظرية في نقطة التوازن بين موارد الأرض أو بين الرزق وبين التناسل، فنحن نعتقد كما يقول تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾، ونعتقد أن المزيد من التناسل يعني المزيد من إعمار الأرض والمزيد من تنمية الموارد.
مشكلة الغذاء ومشكلة الطعام ومشكلة الأوضاع الاقتصادية التي تحدث في العالم ليست بسبب شح الموارد في الطبيعة، وإنما هي بسبب الأنظمة التي تسود بين بني البشر؛ لذلك يقول الله تعالى:﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾[5] .
المشكلة هي في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وإلا فالثروة والموارد اقتصادية موجودة، والرزق موجود، لكن الأنظمة الاقتصادية الخاطئة، وفقدان العدالة الاجتماعية بين بني البشر، وعدم تكافؤ الفرص، والقوانين التي تمنع الناس من استثمار خيرات الكون وتجمد حركة البشر في الكثير من البلدان؛ كلها هي المشكلة، وليست شح الموارد في الطبيعة.
فكل إنسان في هذه الحياة له رزقه قدره الله تعالى له، فرزقه موجود.. لكن أين؟
ليس للإنسان إلا ما سعى:
إنه موجود في هذه الثروات والخيرات الموجودة في الكون، ولذا يجب على الإنسان أن يسعى لتحصيل رزقه:﴿إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾لا يعني أن الإنسان يجلس في مكانه وينتظر رزقه تـأتي به الملائكة، لا ليس الأمر هكذا، وإنما لابد من السعي والعمل من أجل أن يجد كل إنسان رزقه ومعيشته في هذه الحياة.. ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾[6] الرزق موجود لكن تحتاج إلى بعض الحركة والسعي، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾[7] اذهبوا واشتغلوا واسعوا ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾[8] .
إذاً رزقك موجود في هذه الحياة ولا يوجد كائن ولا مخلوق ولا إنسان إلا ورزقه موجود في خيرات هذه الأرض لكن يجب أن يسعى وأن يعمل وأن يطلب هذا الرزق ويجتهد في طلبه، والتكسب وطلب الرزق والسعي في طلب الرزق واجب على الإنسان لإعاشة نفسه ولإعالة من تجب عليه إعالته، فالشرع يحدد أن هناك أناساً وجهات يجب أن تنفق عليهم كما يجب أن تنفق على نفسك، فلا يصح أن تتسبب الهلاك لنفسك فنفسك أمانة عندك أيضاً، والزوجة واجبة النفقة على الإنسان، والوالدان والأولاد واجبو النفقة على الإنسان، حتى الحيوانات فإذا امتلك الإنسان حيواناً من الحيوانات وجبت عليه نفقته ما دام عنده أو يتخلص منه ببيعه أو إطلاقه، وحرام شرعاً على الإنسان أن يحبس الحيوان ثم لا يقدم له الطعام والشراب، يستطيع أن يذبحه أو يعطيه لأحد أو يطلقه، أما أن يدعه يموت من الجوع والعطش فحرام شرعاً.
إذاً الإنسان يجب عليه أن يسعى لإعاشة نفسه ولإعالة من يعول.
وفي الحديث عن رسول الله : «ملعونُ ملعون من ضيع من يعول به»[9] الإنسان الذي عنده أولاد وزوجة ووالدان معتمدان عليه، الحديث يقول إنه ملعون إذا هو ضيع من يعوله، فهو مسؤول شرعاً عن توفير النفقة وعن توفير المعيشة لمن يعوله.
وعندنا روايات وأحاديث تعتبر السعي في طلب الرزق عبادة وجهاداً في سبيل الله، منها:
قول الرسول : «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»[10] فهذا الذي يذهب ويشتغل ويسعى ويتعب في عمله، فعله هذا جهاد يجاهد به في سبيل الله.
وتشجع الروايات على السعي في طلب الرزق وتأمر الإنسان أن يسعى في طلب الرزق سأل الإمام الصادقعن رجل من الناس قيل له أصابته الحاجة «فما يصنع اليوم؟» قالوا: في بيته، «ماذا يصنع في بيته؟» قالوا يتعبد، عنده مفاتيح الجنان وأدعية وزيارة، يصلي ويتعبد في بيته، قال: «فمن يعوله» قالوا: أحد إخوانه، قال: «الذي يقوته ويعيله أشد عبادة وأفضل عند الله منه».
وجاء رجل إلى الإمام الصادقيسأل يقول: يا بن رسول الله ادعوا الله أن يوسع علي ويرزقني، فقال له الإمام: «لا أدعو لك، اذهب فاطلب الرزق كما أمرك الله».
أما الإمام الباقرفيقول: «إني لأمقت الرجل أن يستلقي على قفاه فاغراً فاه ويقول: يا رب ارزقني، إن الذرة وهي النملة الصغيرة لتخرج من جحرها طلباً للرزق» حتى النملة لا تبقى في جحرها تخرج وتبحث عن الرزق، وأنت تريد من دون عناء ولا جهد أن يأتيك رزقك.
ونحن نعلم كيف كان الناس في مجتمعنا في الماضي إلى قبل سنين لا تتجاوز ثلاثين أو أربعين سنة أكثر أو أقل، و الآباء يذكرون، كيف كان الواحد يكدح ويتعب حتى يجد رزقه ومعيشته، في ذلك الوقت لم يكن الناس معتمدين على الوظائف بل كانوا يعتمدون على الكدح والعمل والجهد والسعي، لكن مع التطورات الاقتصادية أصبح أكثر الناس يعتقدون أن رزقهم ومعيشتهم تأتي من خلال الوظيفة، إذا وجد الواحد منهم الوظيفة ظن أنه أمّن حياته ومستقبله ورزقه، وإذا لم يجد الوظيفة جلس في البيت عاطلاً عن العمل. ماذا يفعل فقد حاول وذهب إلى ديوان الخدمة، ولم يجد عملاً؟
ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أنه أغلقت أبواب الرزق وأغلقت أبواب العمل؟
كلا..
نحن نعيش في بلد نرى أن الناس يفدون إليه من مختلف المناطق والأصقاع والبقاع بحثاً عن فرص العمل، ويتكبدون أموالاً كثيرة للحصول على عمل، فبعضهم يدفع أموالاً لقاء كفالته والإقامة وغيرها، ومع ذلك يجدون فرصاً تفي بكل التزاماتهم فهل من المعقول أن ابن البلد أغلقت أمامه سبل الرزق ولا يوجد مجال آخر؟!
كــلا
لكن نحن انصرفنا وانصرف أبناؤنا عن الأعمال المهنية الحرفية اليدوية، وما على الإنسان إلا أن يلتفت حوله ويرى هؤلاء الخياطين والنجارين والناس الذين يشتغلون في هذه الأعمال من مختلف البلدان، فهل يحصلون على النقود أم لا؟
نعم يحصلون…
لماذا نحن لا نشتغل كل شغله ولا نشتغل كل حرفة هذه، هل نحن متميزون.
مر الأصمعي على رجل إسكافي وهو الذي ينظف أحذية الناس ويصلحها وهو ينشد هذا الشعر:
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها
وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فالتفت إليه وهو يقول: (وأكرم نفسي) ماذا يعني، وتكرم نفسك أنت لست رئيس وزراء بل إسكافي تنظف أحذية الناس وتقول: وأكرم نفسي إنني إن أهنتها، فأجابه ذلك الإسكافي: نعم أكرمها عن سؤال لئيم مثلك.
لذلك العمل ليس عيباً في مهنة من المهن، وهذا يحتاج إلى ثقافة اجتماعية، لأنه مع الأسف سادت في مجتمعنا ثقافة الوظيفة، أنها الطريق الوحيد للرزق، ولذلك إذا أحد تقدم أحد لخطبة فتاة إن كان موظفاً قبل، وإذا علم أبوها أنه يشتغل في سوق السمك أو خياطاً أو نجاراً أو خبازاً يمكن أن يتردد ولا يعطيه ابنته، لأنها سادت في أجوائنا هذه الحالة.
والواقع أن الظروف تغيرت، ولذا يجب أن نغير هذه المفاهيم وهذه الثقافة السائدة.
إذاً الإنسان عليه أن يسعى وأن يكدح وهو غير معذور بمبرر أنه لم يجد وظيفة، يجب عليه أن يسعى وأن يعمل في مختلف مجالات العمل الموجودة والمتاحة. وهذا لا يعني عدم التحرك من أجل توفير فرص للوظائف هذا بحث آخر، فإنه يجب أن يوجد تحرك وعمل لتوفير فرص للوظائف حتى يجد أبناؤنا مجالهم ويجدون الفرص لهم هذا بحث آخر، لكن لو فرضنا أنه لم تتوفر الفرص لسبب أو لآخر يجب علينا أن بحث عن سبل للعيش، فللنظر كيف تعيش بقية الشعوب وبقية المجتمعات وكيف يسيرون أمورهم، ولنتأمل حياة آبائنا في الماضي كيف عاشوا وكيف سيروا أمورهم.
من للفقير إذا أعيت السبل؟!
إذاً كل إنسان له معيشته في هذه الحياة وتحسين المعيشة يحتاج إلى سعي، ولكن في بعض الحالات الإنسان لا يكون قادراً على السعي لعجزه لأنه معوق مثلاً، أو كبيراً في السن، أو مريضاً لا يتحمل جسمه العمل، فكيف يحصّل معيشته ورزقه؟ وفي بعض الحالات يكدح الإنسان ويحاول أن يشتغل لكن لا توجد أي فرصة، قد تحصل حالات من هذا القبيل، وهناك صورة أخرى، فمن الممكن أن يعمل الإنسان لكن دخله لا يكفي لنفقته ونفقة عياله، وخاصة عندما تحصل ظروف ركود اقتصادي كالظروف المعاشة الآن في أكثر البلدان الآن، فإن أكثر بلدان العالم تمر عليها هذه الموجة من الركود الاقتصادي حتى أنه قبل يومين نشروا تقريراً عن اليابان، وهي ذات اقتصاد قوي ومتين، مع ذلك لجأ 65% من اليابانيين إلى التقشف في نفقاتهم الاقتصادية بسبب الظروف الاقتصادية المستجدة، هذا الخبر نشرته الصحف في العاشر من المحرم قبل يومين في الصفحات الاقتصادية، وهي يضيف أن 82% من اليابانيين قلقون على فقد وظائفهم أو خفض أجورهم لأن أغلب الشركات أعلنت عن إعادة هيكلة لنفسها وهي تنوي التخلص من نسبة من اليد العاملة فيها أو تخفيض أجورها. في مختلف بلدان العالم توجد حالة ركود اقتصادي، لعدة أسباب كانخفاض أسعار النفط، وتلاعب الاستكبار العالمي بثروات الشعوب، وأسباب كثيرة، المهم توجد الآن حالة من الركود الاقتصادي، في مثل هذه الظروف تزداد حالات الحاجة.
ونحن نلاحظ الآن في مجتمعنا تمر على الإنسان دائماً حالة من الاحتياج فيجد الإنسان أناساً يشكون من الحاجة، وهناك فقراء ومحتاجون، وإن كان الآخرون في الخارج لا يصدقون أن في مناطق الخليج فقراء ومحتاجين، فهم يعتقدون أن كل واحد في هذه المناطق جالس على نفط.
هناك حالات حاجة وفقر في المجتمع كيف تواجه هذه الحالات؟
هذا الإنسان خلقه الله وله كرامته ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾[11] هذا الإنسان له كرامته وله رزقه لكن لسبب أو لآخر لم يقدر أن يصل إلى رزقه فما الحل؟ هل يعيش الفقر والحاجة؟!
هنا يأتي مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام، فبيت المال، وحالة وسلوك الناس المتدينين هي التي تعالج هذه المشكلة؛ لذلك في المجتمع الإسلامي لا يصح أبداً وجود حالات فقر من دون توجه وبدون معالجة.
والروايات والنصوص كثيرة عندنا في هذا المجال: «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع»حالة حاجة أو فقر تكون في المجتمع ليست مقبول في المجتمع الإسلامي، فإما بيت المال وإما أن يقوم الناس بدورهم في سد حاجة المحتاجين؛ ولذلك الآية الكريمة تقول: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[12] . وتوجد آية أخرى في سورة الذاريات ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[13] .
التفت إلى الآية، فإنها تقول حق في أموالك، وهذا الحق ليس لك بل هو حق للآخرين، مما يعني أن الثروة التي لديك ليست كلها لك، بل جزء منها هو حق لغيرك ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
ما هو هذا الحق المعلوم؟ هل هو الحقوق الشرعية مثل الزكاة مثلاً؟
الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تقول إن هذا الحق المعلوم ليس هو الحق الشرعي الواجب مثل الزكاة أو الخمس، وإنما هو فوق ذلك، فهو ما يعطيه الإنسان للفقراء والمحتاجين. ويستدل المفسرون على ذلك بأن الآية الكريمة نزلت في مكة المكرمة والزكاة والخمس لم يشرعا في مكة المكرمة.
إذاً ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ ليس هو الزكاة أو الخمس، وإنما هناك حقٌ معلوم في مال كل إنسان للسائل والمحروم غير الزكاة والخمس.
ما الفرق بين السائل والمحروم؟
كلاهما فقير لكن السائل يسأل ويبحث عن حقه، أما المحروم فقد قال المفسرون هو المحتاج لكنه لا يسأل، كما تقول آية أخرى في القرآن الكريم: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾[14] ليس فقط الذي يلح علينا ويضغط ويسأل نحن معنيين بوضعه، وإنما أي إنسان محتاج في المجتمع حتى لو لم يسأل. وهذا يعني أن تكون هناك جهات ترصد، وأن يكون كل إنسان أيضاً مراقباً لأوضاع أبناء مجتمعه وأوضاع إخوانه الذين يعيشون معه، هل فيهم محتاج. هذا حق وواجب شرعي على الإنسان ﴿حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
الروايات والنصوص عندنا كثيرة حول الإعطاء والبذل، إن لله تعالى في كل يوم مَلَكاً ينادي «اللهم أعطِ كل منفقٍ خلفاً وكل ممسكٍ تلفاً»[15] .
يجب ألا يتضايق الإنسان من رعاية الفقراء وإعطاء والمحتاجين في المجتمع، فقد سئل الإمام الصادق : يأتي إلينا فقراء كل يوم أكثر من واحد يأتي فهل يجب أن نعطيهم كلهم، الإمام قال:«أعطي الأول والثاني والثالث ثم أنت بالخيار فقد أديت حق يومك» يعني كل يوم على الأقل تعطي ثلاثة فقراء وما زاد عن الثلاثة إذا أتوا قل لهم تعالوا غداً وإذا أردت المزيد من الخير أعط أكثر أيضاً. انظر: الرواية تعتبر أن إعطاء ثلاثة حق يومك فإذا كان أقل من ثلاثة أنت لم تؤدِ حق يومك.
ونحن نستطيع أن نفهم الآية ﴿ففِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُوم﴾ يحدد لنا هذا الحق يومياً أن تشرك ثلاثة أشخاص أو ثلاثة محتاجين معك في دخلك وفي ثروتك وبإمكانك أن تعتذر عن الأكثر فقد أديت حق يومك.
ولا يخفى أن الذي يعطي الفقراء لا يعطي من ماله بل يعطيهم حقهم فهو حق معلوم وليس من مالك ولكن الله تعالى بتفضله يثيبك ويبارك لك ويخلف لك عما أعطيت وأنفقت.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «من أيقن بالخلف جاد بالعطية»[16] الذي عنده يقين بأن الله سيعوضه ويخلف عليه يجود، لكن إذا خاف أنه إذا أعطى يخسر مبلغاً من المال فهذا ليس عنده يقين؛ ولذلك ورد أيضاً أن «البخل من سوء ظن الإنسان بربه» الإنسان البخيل عنده سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، الله تعالى تعهد لك أن يعوضك ويخلف عليك.
مأسسة النشاط الاجتماعي:
لكن ينبغي أن نقول إن مساعدة الفقراء والمحتاجين في المجتمع لا بد لها من مؤسسة، ففي الماضي كان يعطى الفقير من هذا صدقة ومن ذاك، وهذا يعينه وذاك يعطيه، ومن هذا خمس ومن ذاك زكاة … بشكل فردي، أما الآن فإن العمل الفردي لم يعد مجدياً، إننا نحتاج إلى مؤسسات كجمعيات ولجان ومراكز، هذه المؤسسات تقوم ببحث الحالات ودراستها، فمن الممكن أن يأتي شخص ويدعي الفقر لكني أنا كفرد لا أستطيع أن أبحث حالته، وتحصل بعض الحالات أن يأتي أحد ما ويدعي الفقر والحاجة وهو غير محتاج، ولدينا روايات كثيرة في هذا المجال:
منها: «من سأل من دون حاجة لقي الله يوم القيامة بوجه مخموش من العذاب»
وفي حديث آخر: «من تفاقر افتقر»[17] الإنسان الذي يظهر الفقر ويسأل من دون حاجة يستسيغ هذه الحالة لأنها عملية سهلة ولا تكلفه جهد، لكنه يأكل حرام ويمارس الحرام، إذا لم يكن محتاجاً لا يسأل الناس.
لكن أنت كيف تعرف أن هذا محتاج وهذا غير محتاج؟
في بعض الأحيان لا يعرف الإنسان ولذلك ورد في الحديث: «لو صدق السائل لهلك المسؤول». وورد في حديث آخر: «لو يعلم السائل ما في المسألة لما سأل أحد أحدا ولو يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحدا»[18] .
فنحن نحتاج إلى مؤسسات، لأن المؤسسة تستطيع أن تدرس الوضع وتبحث الحالة وتقرر حالة كل إنسان وكل جهة من الجهات.
من هنا فمن الضروري جداً تقوية المؤسسات الاجتماعية ففي أغلب المناطق توجد جمعيات خيرية، ووجودها في البلد مكسب كبير، وهي مهم جداً لمنفعة المجتمع، وعلى الناس أن يتفاعلوا مع هذه الجمعيات ويتعاونوا معها ويتطلعوا للعمل فيها، لأنه أحياناً لا تجد ممن يرشح نفسه لانتخابات الجمعية عند انتهاء فترة الإدارة السابقة، أن عند الحاجة أشخاص جدد للجان الجمعية، وهذا خطأ، ينبغي أن نتفاعل أكثر ونتجاوب مع هذه المؤسسات، فلجان كافل اليتيم مثلاً تقوم بدور جيد في المجتمع يجب أن نتفاعل معها فهي تبحث عن الأيتام وتدرس حالتهم وتوفر احتياجاتهم في مختلف الجوانب، ولاشك أن هذا أفضل من العطاء الفردي.
كما أننا نحتاج إلى مؤسسات أخرى في مختلف المجالات، ومن ذلك ما تزمع القيام به اللجنة الأهلية في القطيف، فهي تفكر في إنشاء مشروع طيب، وهو مشروع الخدمة النهارية للمعوقين، فوجود الأطفال المعوقين في البيت لأربع وعشرين ساعة ثقيل على العائلة، وفي بعض الأحيان يكون أحد الوالدين مشغولاً فيحتاج الطفل إلى مكان ولو لفترة ست ساعات أو سبع ساعات أو خمس ساعات يراعى فيه صحياً وتنمى كفاءاته ومهاراته ويستفيد بالمقدار الممكن.
هذا المشروع (الخدمة النهارية للمعوقين) مشروع رائد وجيد ينبغي أن يُتبنى وأن يدعم وتُفاعل معه ومع سائر المشاريع التي يحتاج إليها المجتمع.
الخمس والخدمة الاجتماعية:
حين يكون الكلام عن الفقراء والمحتاجين عادة ما يطرح أكثر الناس إشكالية:
أين تذهب الأخماس؟!
نريد هذه الليلة أن نسلط الضوء على هذه النقطة بموضوعية.
لا نريد أن نناقش وجوب الخمس والحث عليه، فهذا شيء معلوم عندكم جميعاً، ولا في أن الخمس واجب كالصلاة، وأن الإنسان إذا لم يخمس ولم يحاسب نفسه سنوياً ثيابه التي يصلي فيها أيضاً فيها إشكال؛ لأن الصلاة يجب أن يصليها الشخص بثياب طاهرة لا توجد فيها حقوق للآخرين وإذا لم يكن لديه حساب ولا يخمس لا يتأكد من أن ثيابه طاهرة لا يوجد فيها حق، فصلاته فيها إشكال، والماء الذي يغتسل فيه ويتوضأ به أيضاً فيه إشكال؛ لأن الماء الذي يتوضأ أو يغتسل به الإنسان يجب أن لا يكون مغصوباً، والماء الذي فيه حق للآخرين يوجد فيه شائبة غصب؛ لذلك في صلاة الإنسان الذي لا يخمس نظر وكذا صومه وأكله وشربه وفي تصرفاته كلها.
وما الخمس إلا في الشيء الزائد وفاضل المؤونة، فكل واشرب وخذ كامل حريتك طوال السنة ثم حاسب نفسك آخر العام، فإن زاد عندك شيء فالخمس يكون فيه.
والخمس يقسم إلى قسمين:
قسم حق السادة: وهو خاص بالسادة الفقراء المنتسبين إلى آل رسول الله من المحتاجين؛ لأن الزكاة تمنع عن السادة ولا يصح إعطاء السادة من الزكاة، ولهذا فإن العامي لا يجوز أن يعطي زكاة الفطرة يوم العيد إلى السيد من الزكاة، لذا فإنهم يعطون من الخمس والصدقة الواجبة حرام على السادة. وبعض الناس يظنون أن أي صدقة حرام على السيد ولكن الصدقة المستحبة ليست حرام على السادة وإنما الحرام هو الصدقة الواجبة، فبدلاً من الصدقة الواجبة وهي الزكاة فإن الله عوضهم بنصف الخمس الشرعي.
وإذا لم يكن هناك سادة محتاجون أو كانت هناك أشياء أهم فالحاكم الشرعي أو المرجع يستطيع أن يتصرف في حق السادة حسب الأولويات التي يراها.
أما القسم الثاني من الخمس الشرعي فهو حق الإمام، ويسلم بيد المرجع أو وكيله الذي يقول لك المرجع سلمه بيده.
ما هو مصرف سهم الإمام؟
هذا النصف الثاني من الخمس يصرف في مصلحة الدين كالحوزات العلمية والكتب الدينية والمراكز الإسلامية وعلى الفقراء والمحتاجين.
قسم من الناس في مجتمعنا عندهم هذا التساؤل:
أين تذهب الأخماس في مجتمعنا؟
في الواقع ينبغي معرفة ما يلي:
أولاً: هناك صورة مضخمة عن نسبة الأخماس في المجتمع: بعض الناس يتحدثون وكأن الأخماس مليارات عند المشايخ، بحيث تجدهم أمام كل مشروع يسألون: أين تذهب الأخماس، عند الحاجة لبناء أو صيانة مسجد أو حسينية أو عند الحاجة إلى إعانة الفقراء. إن الركود الاقتصادي مؤثر على الجميع، فليس الخمس بالشكل الذي يتصوره بعض الناس، هذا أولاً.
ثانياً: المشكلة أن الذين يتكلمون غالباً هم من الذين لا يخمسون: يقولون الناس الذين يخمسون أين تذهب أموالهم، إذا كنت ممن يخمس تعال وضع خريطة لكي تصرف خمسك.
وهذه هي النقطة الثالثة: الإنسان الذي يخمس بإمكانه أن يوصل خمسه إلى الموارد التي يراها محتاجة ومستحقة، والأمر لا يحتاج منه إلا إلى استئذان من المرجع.. اكتب إلى المرجع الذي تقلده واستأذن: أنا عندي فقير محتاج ظروفه كذا، وكذا وضعه، يحتاج لبناء بيت، وأنا لدي مبلغ من الخمس الشرعي ثلاثمائة ألف أربعمائة ألف نصف مليون، مليون خمس شرعي، أريد أن أبني بيتاً لهذا الفقير من أقربائي أو من المحتاجين، فما تقول أيها المرجع. مستبعد جداً أن يرفض المرجع ، أطلب منه استأذنه ووضح له الحالة في الموضوع.
وقد حصل في بلدان كثيرة وفي حالات عديدة أن تقوم مشاريع للمحتاجين وللفقراء فيسمح المراجع بصرف الأخماس فيها، حتى في بلدنا، أنا سمعت عن حالات عديدة، بعض المشايخ وبعض المؤمنين يستأذنون المرجع، فإذا اطمأن المرجع للمشروع لن يكون عنده مانع. فماذا يفعل المرجع بالنقود، مراجعنا والحمد لله -كما تحدثنا قبل ليالي في موضوع المرجعية- مشهود لهم بالنـزاهة، فالمرجع لا يأخذ الأخماس حتى يبني له عمارات وعقارات ومزارع وما أشبه، إنما يأخذه ليصرفها في شؤون الدين وفي شؤون الأمة، فإذا أنت ترى وجود حاجة في مجتمعك، فمن الممكن أن المرجع لا يعرف عن هذه الحاجة.
ورأينا نحن في إيران وفي لبنان وفي سوريا كيف أن مشاريع كثيرة يصرف عليها من الأخماس، مثل مستوصف طبي لمعالجة الفقراء والمحتاجين، فقد شاهدنا في منطقة السيدة زينب عليها السلام في سوريا -وكلكم تذهبون وترون- أكثر من سبعة مستشفيات ومستوصفات أقيمت أغلبها من الحقوق الشرعية ومن عطاء المؤمنين، وهي تمول الآن أيضاً من الحقوق الشرعية.
لا يوجد عند المرجع مانع إذا عمل جماعة من المؤمنين مشروعاً كمستوصف مثلاً لعلاج الفقراء، وأخبروه بتكاليفه، واطمأن المرجع، فإنه قد يجيز استخدام أموال الخمس في هذا المشروع أو ذاك.
لاحظنا مؤسسات ومدارس أهلية في الشام، هناك مدرستان: مدرسة للأولاد ومدرسة للبنات، المدرسة المحسنية والمدرسة اليوسفية، يقوم عليهما علماء دين وجماعة مؤمنين، أحد مصادر تمويلهما الحقوق الشرعية.
لا مانع عند المراجع إذا كانت الصورة واضحة أمامهم.
فبدلاً الانتقاد والاستشكال: أين تذهب الأخماس؟ وماذا يفعلون بالأخماس؟ دعونا نضع حلولاً عملية، فينهض في كل مدينة وكل قرية وكل منطقة جماعات من أهل الخير لوضع مشروع ويرفعون الأمر إلى المراجع وإلى العلماء، كما أن ذلك واجب الجمعيات الخيرية الموجودة عندنا في المنطقة. وقد رأيت استفتاءات من بعض المراجع أجازوا فيها صرف ثلث الحقوق الشرعية في الجمعيات. وأتمنى أن تتعمم هذه الحالة بأن أي شخص يخمس يذهب ثلث الحق الشرعي الذي عنده إلى الجمعية الموجودة في بلده باستجازه من المرجع.
وهذه المسألة لا تحتاج إلى نقد، ولا تحتاج إلى سوء ظن، ولا تحتاج إلى اتهامات، إنما تحتاج إلى مشاريع عمل.
نعم هناك حاجات موجودة في الحوزات العلمية وبعض العلماء عند أولوية ويقول أنه بدلاً من أن أصرف النقود على أناس هنا وأناس هناك لا أدري أمحتاجين هم أم لا، أرسلها إلى الحوزة العلمية أفضل، هذا اجتهاد واعي عند البعض، أما المراجع أنفسهم فتهمهم مصلحة المؤمنين في كل مكان، وأي مشروع إيجابي لخدمة الدين والمجتمع لا أعتقد أبداً أنهم يرفض مساعدته.
نكتفي بهذا القدر عن موضوع الأخماس ونرجع إلى موضوع العطاء.
ولا تسرفوا:
العطاء أيضاً يتطلب منا أن نرّشد إنفاقنا خصوصاً مع هذا الركود الاقتصادي ، لكنا ما زال سلوكنا الاقتصادي على مستوى سنوات الثروة، والدول بدأت ترشد اقتصادها وتتقشف في اقتصادها، ونحن في بيوتنا على ما هي عليه، صَرْفُنا على أكلنا وعلى الكماليات والرفاهيات.
كما تحكم سلوكنا الاقتصادي الأعراف والتقاليد فإذا تزوج أحدنا كان الإسراف ظاهراً، وكذا إذا كان لدى أحدنا لا سمح الله فاتحة كانت المصاريف باهضة أيضاً، وإذا أراد عمل وليمة كان الأمر كذلك.
هذا الإسراف الذي يحدث يجب أن نتجنبه: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[19] ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾[20] .
إنما المؤمنون إخوة:
وإذا لم توجد حاجات في مجتمعنا -والحال أنها توجد- وإلى جانب الحاجات في مجتمعنا هناك حاجات في المجتمعات القريبة منا، فإخواننا من المسلمين في مختلف المناطق بعضهم يعيشون حالة يرثى لها، كلكم تسمعون عن المعاناة التي يعيشها الناس المؤمنون في العراق، اقرؤوا تقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الإنسانية، ذاك الإنسان العراقي الذي كانت عنده عزة نفس وشموخ أصبح مضطراً أن يقلع أبواب ونوافذ بيته الداخلية ويبيعها حتى يوفر قوتاً لحياته، المياه غير متوفرة، أكثر من خمسين في المائة من سكان المدن لا تتوفر لهم مياه صالحة للشرب، أما في الأرياف فتصل النسبة إلى سبعين في المائة، لاشك أن صدام هو سبب كل هذا البلاء وكل هذه المآسي تقع على إخوان لنا مؤمنين مسلمين يعيشون الفقر المدقع، فيجب أن نمد لهم يد العون والمساعدة بأي طريقة ممكنة ولا يكون الأجانب أسبق منا إلى مساعدتهم وإلى إيصال العون إليهم.
وعندنا الآن مأساة جديدة وهي مأساة المسلمين في كوسوفا، مأساة يندى لها جبين الإنسانية، فقد وصل عدد المهجرين الآن إلى مليون مهجر ولاجئ، وهناك مشردون في داخل كوسوفا لم يخرجوا منها هائمين على وجوههم في البراري وفي الصحاري، يقدر عددهم بنصف مليون إنسان، وحتى الموجودون الآن في داخل كوسوفا يعيشون مجاعة حقيقية لماذا؟
دمر الصرب المتعصبون الحاقدون متاجر المسلمين من الألبان فلا توجد عندهم متاجر ولا يوجد عندهم مجال لبيع الأغذية وللتجارة، وإذا ذهب المسلم إلى دكان صربي لا يبيعه إلا إذا أبرز هويته وإذا رأوا من هويته أنه مسلم ألباني يطردونه ولا يبيعونه، ولذلك نشرت تقارير أنهم اضطروا إلى أكل الكلاب والقطط من شدة الجوع.
هؤلاء مسلمون مثلكم والمآسي التي يتحملونها والمصائب تألم وتقطع قلب الإنسان.
يذكر التلفزيون القطري نقلاً عن مشاهدين قالوا: دخل مجموعة من الجنود الصرب منزل عائلة مسلمة في كوسوفا ورأوا الأم في المطبخ والأطفال في الصالة، فقالوا للأم: هل تطبخين لحماً؟ قالت: ليس عندنا لحم، أطبخ شيئاً من الحبوب، لأن أولادي جائعون، قالوا: ولماذا لا تطبخين لحماً؟ قالت: ليس عندنا لحم، قالوا: الآن نأتيك باللحم، فأخذوا طفلاً من أطفالها عمره ثلاث سنوات وذبحوه أمامها وقطعوه وأجبروها أن تطبخ فخده وأن تأكل هي وأولادها وهم يبكون ويئنون من ذلك اللحم.
هذه المآسي تحصل لأناس مسلمين مثلنا.
كيف تبقى الأمة الإسلامية تعيش مثل هذا الوضع وهي بهذا العدد الضخم، وعندها هذه الثروات الكبيرة؟!
إن الابتعاد عن منهج الله هو الذي يسلط الأعداء علينا، وهو الذي يجعل حالتنا هكذا، نسأل الله أن يفرج عنا وعن جميع المسلمين والمؤمنين.
من فوائد هذه أنها مجالس دعاء لهؤلاء المؤمنين، وهذه القلوب المؤمنة المنكسرة يسمع الله تعالى دعاء واحد منهم فيستجيب دعاء الجميع:
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم فرج عن جميع المسلمين المهمومين والمضطهدين في كل مكان.
أيضاً هناك مرضى يأملون منكم الدعاء: اللهم مُنَّ على جميع المرضى بالصحة والعافية.