التدين والنجاح في الحياة
افتتح سماحة الشيخ حسن الصفار فعاليات «ملتقى الشباب الحواري» بمحافظة القطيف، حيث ألقى في الليلة الأولى لحوارات الملتقى مساء يوم الثلاثاء 27 ربيع الثاني 1425هـ الموافق 15 يونية 2004م كلمةً تحت عنوان: التدين والنجاح في الحياة، وبعدها دار حوارٌ بين سماحته وجموع الشباب الحاضرين.
وهذا تقريرٌ عن ذلك:
كلمة سماحة الشيخ
تطرق سماحته في بداية حديثه إلى مقاييس الإنسان والمجتمع الناجح بغض النظر عن الاتجاهات الفكرية التي ينتمي إليها هذا الإنسان أو المجتمع، وحددها في المقاييس التالية:
المقياس الأول: الإنسان الناجح هو الذي يُحقق احتياجاته في الحياة.
المقياس الثاني: الفاعلية والإنتاج، فكلما كان الإنسان أكثر فاعليةً وإنتاجاً كان أعلى في مستوى النجاح. بينما الإنسان الذي ينعدم انتاجه، وتكون فاعليته في مستوىً متدنٍ فلا يُمكن اعتباره إنساناً ناجحاً.
المقياس الثالث: الانسجام مع المحيط والبيئة التي يعيش فيها، حيث أن الإنسان لا يعيش في صحراء، وإنما يعيش ضمن محيط. وكلما كان الإنسان أكثر انسجاماً مع محيطه كان أقرب إلى حالة النجاح. أما إذا ضعف انسجامه فلا يُمكن اعتباره إنساناً ناجحاً.
وأضاف أنه بإمكاننا أن نطبّق هذه المقومات على أي إنسانٍ من أي دينٍ أو مذهبٍ أو اتتجاه وفي أي موقعٍ من المواقع: المدرسة، المصنع، أو المجتمع. كما يُمكننا تطبيقها على الواقع الاجتماعي، فالمجتمع الناجح مَن تتحقق فيه هذه المقاييس وما سواه فهو على العكس من ذلك.
وإجابةً على سؤالٍ يطرح نفسه في المقام وهو: هل أن التدين بديلٌ عن حالة النجاح أم هو مضعفٌ لدرجة النجاح أم هو رافعٌ لها؟ قال سماحته:
قد يتصور البعض أن التدين بديلٌ عن النجاح في الحياة، فالمهم هو أداء العبادات والالتزام بالمستحبات، وليس مهماً التفوق والنجاح الحياتي بل المهم هو رضا الله سبحانه وتعالى. وهذه النظرة أيضاً متحققة عند بعض المجتمعات فالتدين عندها بديلٌ عن التقدم والرقي الاجتماعي والتقني.
وأشار إلى مجموعة من الأمثلة الاجتماعية والفردية ضمن هذا التصور.
والبعض الآخر يتصور أن التدين يُضعف حالة النجاح في الحياة، ويفهمون بعض المفاهيم بصورة خاطئة فتعزف بهم عن الحياة والنجاح فيها، كالتصور الخاطئ عن الزهد.
وهناك نظرةٌ أخرى عند البعض وهي أن التدين يكون دافعاً للتقدم والنجاح في الحياة، وهذه النظرة هي الصحيحة من بين التصورات الأخرى. وهذا ما تؤكده آيات القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس﴾، ﴿وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾؛ إضافةً إلى الروايات الكثيرة التي تؤكد ذلك كقوله عندما بدأ بالدعوة إلى الله تعالى: ((قولوا لا إله إلا الله، كلمةٌ تكونوا بها ملوكاً في دنياكم)).
وعن واقع التدين في حياتنا الآن قال سماحته: نحن نجد أن المتدين لا يكون في المستوى المتقدم الذي يُفترض أن يكون فيه، والأمة التي يُفترض أن تكون رائدة الأمم نجدها في المستوى الأكثر تدنياً مقارنة بباقي الأمم المتقدمة، وهذا يُشير إلى أحد أمرين:
الأمر الأول: أن يكون هناك خللٌ في ذات الدين.
الأمر الثاني: أن يكون هناك خللٌ في فهمنا للدين، وممارستنا له.
وباعتبار إيماننا بأحقية الدين وصوابيته، وأن التجربة التاريخية أثبتت ذلك كما كان المسلمون في الماضي وكما كان الأولياء الصالحون في قمة النجاح، فالخلل يكون إذن في فهمنا للدين.
وأضاف سماحته إن المشكلة الكبرى أننا مع ما نعيشه من وضعٍ مخجلٍ ومتخلف لدينا غرورٌ باعتبارنا متدينين وأننا أفضل أهل الأرض ونحن أهل الجنة، ووصف هذه العقلية بأنها عقلية إشباع الغرور باسم الدين والتي يُعبّر عنها القرآن الحكيم بقوله تعالى: ﴿وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون﴾.
أحقاً نحن أقرب إلى رضا الله تعالى والآخرون بعيدون عن رضا الله؟ فلنكن منصفين وموضوعيين، فإن الله تعالى لا تخدعه الشعارات ولا تغريه العناوين، وإنما يُريد الواقع؛ ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم﴾، ﴿من يعمل سوءً يُجز به﴾، ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن﴾.
والعقيدة التي تنتج واقعاً سيئاً فهناك شكٌ في أنها هي العقيدة الصحيحة، وإذا كانت صحيحة فلا فائدة منها.
وأكد على ضرورة إعادة النظر لقراءتنا لواقعنا ولنظرتنا لأنفسنا ولديننا.
وأضاف أن النصوص الدينية تركز على قضايا مهمة اتجه إليها الغرب وأهملها المسلمون ومن أمثلة ذلك:
1- الدور الإنساني في عمارة الكون والحياة، ﴿هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها﴾. وواضحٌ دور الغرب في إعمار الكون والأرض بينما تخلف المسلمون عن هذه المهمة العظمى والأساسية.
2- البحث عن أسرار الكون، ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض﴾. وأيضاً في هذا الجانب تفوّق الغرب على المسلمين بمسافاتٍ شاسعة.
3- التعامل مع الناس على أساس العدل، ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾. فتجد الغرب يحترم هذه القيم على مستوى أوضاعهم الداخلية بينما يعيش الناس في البلاد الإسلامية في أدنى مراتب مراعاة الحقوق الإنسانية.
وضمن هذه القيم التي يركز عليها الإسلام ندرك أن شعورنا بالتدين والتميز على الآخرين باعتبار التزامنا بديننا ومذهبنا في حاجةٍ ماسة إلى إعادة النظر والقراءة.
واختتم سماحة الشيخ خطابه بالدعوة إلى التوافق بين التدين والنجاح في الحياة وقال: ينبغي السعي من أجل أن ينجح المتدينون ويتدين الناجحون.
وبإمكانك الاستماع إلى الكلمة من خلال الوصلة التالية:
media/ent_lucture/1425/14250427.asf
وقريباً نورد نماذج من الأسئلة وإجابات سماحة الشيخ عليها