التواصل ثابت والعراقيل وقوده
كان حلف الفضول الذي انضم إليه رسول الله حلفا إنسانياً، أحنى التاريخ له رأسه، ذلك الحلف لم ينشأ على خلفية دينية، ولا التزاما بنصوص سماوية، لقد تفتقت عنه فطرة الإنسان الحرة، وإنسانيته الصافية، فلم يقبل بمظلوم يظلم في مكة من القادمين إليها،أي كان هذا القادم، فلا دخل للونه في ذلك، ولا لعرقه، ولا لآرائه ومعتقداته فكلها عوامل غير مؤثرة ولا معطلة لعمل الحلف، فالحلف نزعته إنسانية، مقربة للنفس، محببة للوجدان وقد ورد عن النبي قوله بعد أن أرسل رحمة للعالمين:«لقد حضرت في دار عبيد الله بن جدعان حلفاً ما يسرني به حمر النعم ولو دعيت إلى مثله لأجبت»..
السنا اليوم بحاجة «وفي مختلف دولنا القطرية» إلى حلف فضول إغاثي لا يعرف الفواصل والفوارق بين الفقراء والمحتاجين مهما كانت ألوانهم وأصباغهم؟تتلخص مهمته في رفع معاناة الإنسان والتعاون من اجل تلبية حاجاته الرئيسية، مع حمايته من العوز ومن الفقر، على أمل أن يصنع هذا الحلف ما تعذر صنعه على أدوات كثيرة في بلادنا، ألسنا بأمس الحاجة لمشروع يذكرنا «نحن أبناء هذا البلد» به التاريخ؟ فيقرب المختلف، ويحنن النفوس على بعضها، ويؤكد وجهتها الإنسانية والتراحمية، لتشعر بإسلام تفتخر بإنسانيته، ولتؤكد على مشتركات قوية وصلبة وعصية على كل اختلاف وتباين في وجهات النظر وتباين الآراء والتصورات.
يستطيع الإنسانيون من أهل الخير بفطرتهم أن يشيدوا جسراً حقيقيا من التواصل والدخول إلى قلوب الآخرين، وهو ما عجزت عنه الثقافة، ولم يغر الكثير من الكتاب والمثقفين، لأنهم قد يتعرضون أحياناً إلى زلزال مرعب يحرم عليهم مد جسور التواصل مع الآخرين، ويمنعهم من التقدم في هذا المسار، فيخافون ويجاملون ويبحثون عن الأمن والسلامة، تاركين معاول التمزيق والتفتيت تعمل أمام أعينهم وأسماعهم على جسد الأمة لتحوله قطعاً صغيرة مسلوبة القدرة والحياة.
قليلون هم الذين نشاهدهم أمام شاشات التلفزيون وهم يقتحمون المخاطر والصعاب بغية إنقاذ الإنسان وتخفيف معاناته، ومنهم لجان الإغاثة بأموال أهل الخير التي لا تفرق بين الناس لأنها تتجه للأنين وللألم، ولنقاط الضعف والحاجة والمعاناة، ومجتمعنا يتوقع منهم أن لا تكون هذه الروح المقدامة والمندفعة حبا للإنسان وابتغاء لثواب الله، مقتصرة على أوقات الحروب ونشوب المعارك بل تتحرك باحثة عن ضالتها «الإنسان» في مختلف الظروف ومختلف الأوضاع، فبلادنا كبقية بلاد العلم للفقراء ولأصحاب الحاجات فيها وجود تعرفه الجمعيات الخيرية ويعلمه أهل الخير والعطاء.
وإذا كانت بعض مؤسسات ومنظمات الإغاثة تندفع للعون والمساعدة بداعي التبشير ونشر المعتقدات كما تصنع في أفريقيا وغيرها من مناطق الفقر في العالم، وترصد لذلك إمكانات هائلة، فإن ما يجدر بنا أن نقوم به، هو العطاء والدعم سعيا وراء التواصل مع الإنسان بروحنا وأحاسيسنا وأخلاقنا التي لا تقبل حياة لمحتاج مع وجود قادر على سد حاجته.
العمل الإنساني بسعته الإنسانية يكاد يكون مدخلا مغفولا عنه في مناطقنا التي تحتاج إلى تكثير الأربطة الداخلية بين مكوناتها ونسيجها الاجتماعي المتعدد، لتصبح مصداقا للجسد الذي «إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».
يمكنني الجزم هنا أن العمل الإنساني هو اقدر السبل وأنجعها على التواصل مع الآخرين، ويستطيع تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة التي ربما يعجز عن تحقيقها المثقفون والعلماء والكتاب وغيرهم، ذلك لان الثقافة والمثقفين بكل مسمياتهم، ربما يصلون إلى مناطق تصادم وتفارق مع الآخرين، فتستهوي بعضهم هذه الفجوات وتُقعد آخرين، ولذلك ترى الخطوات الإنسانية نحو الكيانات والأطياف في عالمنا العربي والإسلامي وضمن البلد الواحد أحيانا، بطيئة وحذرة ومتلكئة، وتعتمد غالبا مبدأ «خطوة للأمام وخطوتان للخلف» من ناحية ثانية ،الإحسان للآخرين بمساعدتهم ورفع فقرهم وحاجتهم تتلقاه النفوس وقد حفر موقعه فيها وأثر أثره الجميل الذي ينعكس بدوره على طبيعة التعاطي مع المحسن، فقد ورد عن النبي قوله «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها».
أما الناحية الثالثة فان العمل الخيري«الإنساني» يعم ويشمل أفراداً ونفوساً كثيرة، يمكن أن تلمس آثاره اجتماعياً واقتصادياً ولا شك أن لمساته ستؤثر على الكثير من الانطباعات والترسبات النفسية، مما يمهد أرضية كبيرة وواسعة لانتشار المشاعر الطيبة والأخوية بين فئات المجتمع، ويساعد في مد جسور التعاون والتواصل بينها.
وأخيراً سيتلاقى في هذا الجهد مع جهود أخرى على كل الشواطئ والضفاف، همها الإنسان وسعادته وكرامته، فهل نتأمل خيراً في «المدخل الإغاثي الذي يربطنا بتيار إنساني يستعذب أبناؤه المشقة والتعب ويكابدون الأخطار من اجل التخفيف عن آلام المنكوبين والمشردين دونما تمييز بين دين وعرق ولون بما يعيد الاعتبار لمبدأ احترام الأصل الإنساني المشترك»؟ كما يقول الباحث والصحفي المصري حسام تمام
وهل يسرع الزمان فيفرحنا ويرينا بعض الأسماء الخيرة من أبناء بلدنا الواسع فنشهد مشاريعها في مناطقنا بعد أن كانت بصمات أياديها الخيرة في مناطقها شاهدة على انسانيتها؟ هل ستكون المدخل والمحرك لخطاب إنساني يتحاشى الألغام والقنص والقصف ليؤسس إلى إنسان سعادته في سعادة الإنسان الآخر.