تقديم كتاب «مناهل الأدباء وحديقة الخطباء»
الكتاب: مناهل الأدباء وحديقة الخطباء
المؤلف: السيد محمد السيد علوي آل إدريس
الناشر: مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1423هـ ـ 2003م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
نهض المنبر الحسيني في مجتمعاتنا ولا يزال بدور هام كبير، على صعيد تركيز الحالة الإيمانية الدينية، وتكريسها في نفوس أبناء المجتمع، وتوثيق الولاء والارتباط بالدين، ومناراته الهادية من أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وكان المنبر الحسيني هو المصدر الأساس للتوجيه والإرشاد الديني والأخلاقي، فمن عطائه يأخذ المؤمنون معالم دينهم، من معتقدات وأحكام وآداب.
كما كان منبعاً للثقافة العامة، حيث يسمع الناس من على أعواده أحداث التاريخ، وسير العظماء، وطرائف الحكمة، ونوادر الشعر والأدب. وخاصة بالنسبة لأجيال مجتمعاتنا السابقة، والتي كانت تفتقد قدرات وأدوات التثقيف الذاتي، لانتشار الأمية وغياب وسائل المعرفة.
إلى جانب ذلك كان المنبر الحسيني محوراً لاجتماع الناس والتفافهم، وتأكيد ترابطهم وتماسكهم الاجتماعي، حيث يحتشدون في المناسبات الدينية، كأيام عاشوراء، وذكريات وفيات الأئمة ومواليدهم، من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، حول منبر الحسين ، ويصغون إلى ما يلقيه الخطيب.
وحتى في أتراحهم وأفراحهم يكون المنبر الحسيني محوراً لاجتماع الناس وتلاقيهم، حيث تقام مجالس العزاء والفاتحة على المتوفى، ومجالس المواليد والمدائح للمتزوج واحتفالات الأفراح.
من هنا أصبح لخطيب المنبر الحسيني دور اجتماعي مميز، وموقعية دينية محترمة، لارتباطه الواسع بأفراد المجتمع وعوائله وشرائحه، ولتأثيره الفكري والعاطفي على النفوس، ولما يمثله من حالة رمزية على المستوى الديني والاجتماعي. بالطبع تتفاوت موقعية الخطيب وتأثيره تبعاً لتفاوت مستويات الخطباء، في معارفهم وإتقانهم لفنون الخطابة، وامتلاك الخصال الشخصية، وأخلاقيات التعامل السلوكي.
ومع تطور أوضاع المجتمع، وتقدم مستوى المعرفة والوعي، والانفتاح على وسائل الإعلام والتثقيف والمعلومات، فإن دور الخطيب والمنبر الحسيني، أصبح أكثر خطورة، وأكثر صعوبة إنه يواجه الآن تحدٍ كبيراً، في المحافظة على موقعيته وتأثيره، فجمهور المستمعين لم يعد حشداً من الأميين البسطاء، بل أصبحت أكثريته متعلمة، من بينها نخبة مثقفة واعية، وهي تتوقع من خطيب اليوم طرحاً علمياً موضوعياً، وليس مجرد إثارات عاطفية، كما تتطلع إلى الجديد والتجديد، فلا تقبل من الخطيب اجترار موضوعاته وتكرارها.
وجمهور المستمعين اليوم في أذهانهم تساؤلات فكرية وثقافية، حول معارف الدين وأحكامه، بسبب الاحتكاك بالثقافات الأخرى، وتطورات قضايا الحياة.
وبانفتاحهم على آفاق العلم والمعرفة، عبر وسائل الاتصال المتقدمة، كقنوات البث الفضائي، وشبكة الإنترنت العالمية، فإنهم يقارنون بين مستوى طرح الخطيب وما يطلعون عليه في تلك الآفاق.
وأصبح المجتمع يواجه مشاكل وتحديات عديدة، على مختلف الأصعدة الحياتية والمعرفية والسلوكية، والمتوقع من المنبر والخطيب الإسهام في معالجة هذه المشاكل، ومواجهة التحديات القائمة.
وذلك يتطلب من الخطيب وعياً شاملاً، وثقافة واسعة، ومتابعة للتطورات، والتزاماً بالمسؤولية الدينية والاجتماعية.
لقد نهض الجيل السابق من خطباء المنبر بمسؤولياتهم، وقاموا بأدوارهم، حسب الإمكانات والقدرات المتاحة لهم، ووفق المستوى الفكري والاجتماعي الذي كانوا يعايشونه، فحفظوا للمجتمع هويته الدينية، وحافظوا على أجواء الخير والصلاح، جزاهم الله خير الجزاء على جهودهم ودورهم الولائي الكبير.
والأمانة الآن بيد الجيل الجديد من الخطباء في ظرف صعب، وأوضاع معقدة، وأمام تحديات خطيرة، تجعل مجتمعاتنا على مفترق طرق، بين تمسكها بقيمها الدينية، وأصالتها المبدئية، أو الضياع في متاهات الانحراف ونزعات التوجهات المادية، والسقوط الأخلاقي، وتدهور الأمن الاجتماعي.
* * *
ومن الخطباء الرواد الذين كرسوا حياتهم ووجودهم في خدمة المنبر الحسيني، وتوجيه المجتمع وإصلاحه، الخطيب الفاضل السيد محمد بن السيد علي بن السيد علوي آل إدريس حفظه الله.
فقد ولد سنة 1342هـ في مدينة صفوى إحدى مدن القطيف من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
وسلك طريق الخطابة في وقت مبكر من حياته، وهو في العاشرة من عمره، حيث تتلمذ على يد خاله الخطيب السيد هاشم بن السيد طاهر آل المير (توفي سنة 1397هـ).
درس قواعد اللغة العربية على يد الخطيب السيد هاشم بن شرف آل المير (1327ـ1387هـ). وهاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الإسلامية سنة 1382هـ إلى سنة 1389هـ حيث تتلمذ على يد نخبة من الفضلاء كالشيخ علي المرهون والشيخ محمد تقي المعتوق والشيخ حبيب الظالمي والشيخ حبيب الطريفي والشيخ محمد آل عطية الأحسائي.
عرفته مجالس القطيف والأحساء، بمختلف مدنهما وقراهما، خطيباً واعظاً، يمتاز برقة الصوت، وإثارة عواطف الولاء لأهل البيت ، كما تتسم مواضيع خطابته بالحيوية والتنويع، التي تشدّ المستمع وتهيئه للتأثر بالموعظة والإرشاد.
فهو حينما يطرح موضوعاً أخلاقياً ـ مثلاً ـ يثريه بالقصص التاريخية، ويزينه بالنصوص الدينية، ويستشهد له بطرائف الحكم والأمثال، ويستعين بمقتطفات من أقوال العلماء والأدباء، وذلك ناتج عن اهتمامه بالمطالعة الدائمة، والتحضير الجيّد لموضوعاته.
ويضم هذا الكتاب (مناهل الأدباء وحديقة الخطباء) الذي بين يدي القارئ الكريم، مجموعة من الخطابات والمجالس، التي كتبها خطيبنا الفاضل السيد أبو ياسين، كتحضيرات لإلقاءاته، ضمن سنوات ممارسته الخطابية الطويلة، التي امتدت سبعين عاماً حتى الآن، حيث بدأ الخطابة سنة 1352هـ، ولا يزال يعتلي أعواد المنابر رغم تقدم سنه، وابتلائه ببعض الأمراض، لكن جمهور المؤمنين لا يسمح له بالتقاعد عن هذه الخدمة الدينية الجليلة، أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية.
وإلى جانب دوره الخطابي، يملأ السيد أبو ياسين فراغاً كبيراً في بلده صفوى، بالتصدي لقضايا الناس الدينية والاجتماعية، فهو إمام جماعة يواظب على إقامتها، وهو مأذون شرعي من قبل محكمة الأوقاف والمواريث في القطيف، لإجراء عقود الزواج، وهو وكيل مجاز من المرجعية الدينية، (سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني)، لاستلام الحقوق الشرعية، وصرف قسط منها في مواردها المقررة، وهو وجه اجتماعي بارز، يُقصد في إصلاح ذات البين، ومشاكل المجتمع، وقضايا البلاد.
ولديه موهبة أدبية وظفها في مدح أهل البيت ورثائهم، وفي خدمة المجتمع، والإشادة بأعلام الدين، لكن أكثر شعره باللغة الدارجة، وقد طبع جزءاً من ديوانه تحت عنوان (الذخيرة المحمدية) في النجف الأشرف قبل ثلاثين عاماً.
وإذ أقدم لهذا الكتاب استجابة لطلب مؤلفه الكريم، لأرجو أن يستفيد منه إخواني وزملائي الخطباء والواعظون، في الاهتمام بتحضير موضوعات خطاباتهم، وإثرائها بالمعلومات المختلفة المتنوعة، وإعطائها سمة الحيوية والجاذبية، لتحقق أهدافها في التأثير على النفوس والقلوب.
شكر الله سعي سيدنا المؤلف، وأجزل له الثواب، ومتعه بالعمر المديد، وكمال الصحة والعافية، ووفق الله جيلنا الجديد من الخطباء لتحمل مسؤولياتهم الخطيرة في هذا العصر، وللارتقاء بالمنبر الحسيني إلى مستوى التحديات المعاصرة.
والحمد لله رب العالمين
حسن بن موسى الصفار
9 / 5/ 1423هـ