العلاقة مع الله في فكر علي وسيرته
ورد في مناجاة مروية عن أمير المؤمنين علي 
أنه قال: «إِلَهِي كَفَى لِي عِزًّا أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْدًا وَ كَفَى بِي فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لِي رَبًّا أَنْتَ كَمَا أُحِبُّ فَاجْعَلْنِي كَمَا تُحِبُّ»[1] .
العلاقة مع الله هي أهم وأكثر علاقة لها تأثير على نفس الإنسان وسلوكه، وعلى تشكيل نمط حياته، وعلاقته مع سائر الأشياء.
فحين يتعرّف الإنسان على خالقه، وتكون له به علاقة سليمة متينة، يصبح لحياته معنى، ولوجوده قيمة، حيث يدرك أنه لم يُخلق عبثًا ولا صدفة، وإنّما خلقه ربّ قدير حكيم، أفاض عليه النعم، ومنحه الكرامة، وأراد له السعادة، ورسم له طريق الهداية، وبذلك تعمر الطمأنينة قلبه، ويشعر بالثقة والقوة أمام تحدّيات ومصاعب الحياة، كما يعيش التطلّع للفوز والنجاة في مرحلة ما بعد الحياة.
يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. [سورة الرعد، الآية: 28].
أما إذا غفل الإنسان عن ربه، فسيعيش التيه والضياع، ولن تعوّضه العلاقة مع أيِّ أحدٍ أو جهة أو شيء عن العلاقة مع الله تعالى.
يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾. [سورة طه، الآية: 124].
ورد عن الإمام علي : «اَلْغِنَى بِاللَّهِ أَعْظَمُ اَلْغِنَى»[2] .
وجاء في دعاء ابنه الإمام الحسين : «ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ»[3] .
أولوية العلاقة مع الله
والعلاقة مع الله يجب أن تكون مقدّمة على جميع العلاقات الأخرى، وعبرها تكون العلاقة الصحيحة مع الناس والأشياء والحياة.
ولا يصح أبدًا إعطاء الأولوية والأهمية لعلاقة أخرى على العلاقة مع الله.
يقول تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾. [سورة التوبة، الآية: 24].
أشكال ومستويات مختلفة
لكنّ هناك أشكالًا ومستويات مختلفة للعلاقة مع الله تعالى.
هناك من تكون علاقته بالله تعالى في حدود الإيمان به كفكرة ومعلومة مختزنة في الذهن، لا تؤثر على مشاعره وأحاسيسه، ولا تنعكس على سيرته وسلوكه. كما يختزن ذهنه معلومة وجود كوكب الزُهرة أو كوكب المريخ.
يقول تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾. [سورة الزخرف، الآية: 87].
أي، فإلى أين يتجهون ويُصرفون؟
فهم يعلمون أنّ الله خالقهم، لكنهم ينصرفون عنه، متجهين نحو أهوائهم وضلالاتهم.
وهناك من تكون علاقته بالله تعالى، منحصرة في أوقات شدّته ومحنته، حيث يلجأ إلى الله طالبًا الإنقاذ والغوث، فإذا ما تجاوز ظرفه العصيب، غفل عن الله، وتجاهل ذكره، كما يقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾. [سورة يونس، الآية: 12].
وهناك من يرتبط بالله تعالى من خلال طقوس العبادة التي تعوّد أداءها، ثم لا يكون لله تعالى حضور مؤثر في سائر مواقفه وتصرفاته.
يعبد الله في المسجد، ويعبد المال والمصالح والمكاسب خارج المسجد.
يركع ويسجد لله في صلاته، ثم يخضع للأهواء والشهوات في حركة حياته.
وهناك علاقة سطحية هشّة مع الله، تكون في الظروف العادية الطبيعية، لكنّها تهتزّ وتتلاشى عند أول امتحان بالصعوبات أو الاغراءات، كما يقول تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾. [سورة الحج، الآية: 11].
الوعي والمعرفة بالله
إنّ التفاوت في مستوى وشكل العلاقة مع الله تعالى، يعود إلى تفاوت مستوى المعرفة به تعالى، والوعي لدينه، ومدى صفاء قلب الإنسان، وإقباله على ربه.
وتقدّم لنا شخصية الإمام علي من خلال فكره وسيرته أفضل مدرسة وأنموذج للعلاقة مع الله تعالى. التي هي سِرُّ عظمته، وسبب فضله ومكانته.
وسنحاول استجلاء بعض المعالم منها، لنستضيء بها في بناء علاقتنا مع الله تعالى.
معرفة الله
إنّ العلاقة مع الله هي القضية المحورية في شخصية عليٍّ واهتماماته، وهو يتحدّث عنها بفخر واعتزاز، كما في مقولته الرائعة وهو يناجي ربه: «إِلَهِي كَفَى لِي عِزًّا أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْدًا وَكَفَى بِي فَخْرًا أَنْ تَكُونَ لِي رَبًّا أَنْتَ كَمَا أُحِبُّ فَاجْعَلْنِي كَمَا تُحِبُّ»[4] .
هذه العلاقة التي تأسست على معرفة واعية، ويقين ثابت، وهي المعرفة الأهم التي يجب أن يحصل عليها الإنسان.
ورد عن الإمام علي : «مَعْرِفَةُ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْلَى اَلْمَعَارِفِ»[5] .
ومعرفة الله تنطلق من الفطرة الصافية، ومن تأمل العقل في خلق الله وآياته.
كما جاء عن الإمام علي : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ وَفَاطِرِهِمْ عَلَى مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِهِ»[6] .
وعنه : «بِصُنْعِ اَللَّهِ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ وَبِالْعُقُولِ تُعْتَقَدُ مَعْرِفَتُهُ وَبِالتَّفَكُّرِ تَثْبُتُ حُجَّتُهُ»[7] .
وجاء عن الإمام جعفر الصادق : بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ- ذِعْلِبٌ اليماني ذُو لِسَانٍ بَلِيغٍ فِي الْخُطَبِ شُجَاعُ الْقَلْبِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هل رأيت ربَّك؟ فقال : «أَفأَعْبُدُ مَا لا أَرَى؟» قال: وكيف تراه؟
قال: «لا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ، وَلكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ، قَرِيبٌ مِنَ الأَشْيَاءِ غَيْرُ مُلاَمِسٍ، بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُبَايِنٍ، مُتَكَلِّمٌ بِلاَ رَوِيَّةٍ، مُرِيدٌ بِلَا هِمَّةٍ، صَانِعٌ لا بِجَارِحَةٍ، لَطِيفٌ لا يُوصَفُ بِالْـخَفَاءِ، كَبِيرٌ لا يُوصَفُ بِالْـجَفَاءِ، بَصِيرٌ لا يُوصَفُ بِالْـحَاسَّةِ، رَحِيمٌ لا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ، تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ، وَتَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ»[8] .
وقد نُقل عنه كلام كثير دقيق عن الله وعظمته وقدرته، وصفاته الثبوتية، وما ينفى عنه من الصفات السلبية.
وله كلام عميق عن خلق الله ونشأة الكون والحياة، وعن السماوات والأرض والملائكة والإنسان والحيوان والنبات. وخطبه في بيان عجائب خلق الطاووس والخفاش والنملة لا تزال تبهر عقول العلماء والمفكرين والأدباء.
ولنُصغِ للإمام عليٍّ وهو يحدّثنا عن الله في إحدى خطبه، يقول : «كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَه، وكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِه، غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ، وعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَه، ومَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّه، ومَنْ عَاشَ فَعَلَيْه رِزْقُه، ومَنْ مَاتَ فَإِلَيْه مُنْقَلَبُه».
«بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ وَإِلَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ نَسَمَةٍ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَمَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ وَمَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ»[9] .
العبادة بشوق وخشوع
كانت العبادة لله أولوية الإمام علي التي يقدّمها على أيِّ شأنٍ واهتمامٍ آخر، وكان يؤدّيها بشوق وخشوع، ويقبل عليها بكلّ قلبه وجوارحه، ألفها منذ كان صغيرًا يصحب رسول الله 
، حيث لم يكن أحدٌ غيره يصلّي مع النبي إلّا خديجة بنت خويلد.
ورد في خطبة له : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَسَمِعَ وَأَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ»[10] .
وفي المستدرك على الصحيحين عنه : «عَبَدْتُ اللَّهَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ»[11] .
لم يكن يشغله عن الصلاة شيء، كَانَ يَوْمًا فِي حَرْبِ صِفِّينَ مُشْتَغِلًا بِالْحَرْبِ وَاَلْقِتَالِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ بَيْنَ اَلصَّفَّيْنِ يُرَاقِبُ اَلشَّمْسَ فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا اَلْفِعْلُ؟ قَالَ: «أَنْظُرُ إِلَى اَلزَّوَالِ حَتَّى نُصَلِّيَ»، فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ: وَهَلْ هَذَا وَقْتُ صَلاَةٍ، إِنَّ عِنْدَنَا لَشُغُلًا بِالْقِتَالِ عَنِ اَلصَّلاَةِ! فَقَالَ : «عَلَى مَا نُقَاتِلُهُمْ؟ إِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى اَلصَّلاَةِ»[12] .
وفي أصعب ليلة في حرب صفين تسمّى ليلة الهرير[13] لم يترك الإمام فيها صلاة الليل.
يقول ابن أبي الحديد عنه : (أما العبادة: فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصومًا ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجلٍ يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صماخيه يمينًا وشمالًا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته، وما ظنّك برجلٍ كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده)[14] .
ذكر الله في كلّ حال
قلب عليٍّ متعلّق بالله، ونفسه متوجهة إليه، لذلك كان ذكره على لسانه دائمًا وأبدًا.
ورد عنه : «اَلْمُؤْمِنُ دَائِمُ اَلذِّكْرِ كَثِيرُ اَلْفِكْرِ»[15] .
إنه يستلذّ بذكر الله، فقد ورد عنه : «ذِكْرُ اَللَّهِ مَسَرَّةُ كُلِّ مُتَّقٍ، وَلَذَّةُ كُلِّ مُوقِنٍ»[16] .
وحين يذكر الله يشعر كأنه يجالسه:
كما جاء عنه : «اَلذِّكْرُ مُجَالَسَةُ اَلْمَحْبُوبِ»[17] .
كانت محبة عليٍّ لله راسخة في قلبه، مهيمنة على مشاعره، لذلك كان يلهج بذكر الله دائمًا وأبدًا، وقد ورد عنه : «مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا لَهِجَ بِذِكْرِهِ»[18] .
وقد رُويت عن الإمام علي أدعية كثيرة كان يدعو الله بها في مختلف الأوقات والأحوال، في الصباح والمساء، وعند النوم واليقظة، وقبل الشراب والطعام وبعدهما، وعند الخروج والدخول، وعند القيام بأيِّ عمل، وعند نزول مصيبة أو حدوث نعمة.
استحضار الله عند كلّ موقف
العلاقة الوثيقة مع الله توجه سلوك الإنسان، حتى يختار الموقف الصحيح، ويجتنب المعصية والخطأ، خاصة في المواقف الشائكة التي تختلط فيها الأوراق، أو تسيطر فيها على الإنسان الرغبات والانفعالات.
لذلك ورد عن الإمام علي : «ذِكْرُ اَللَّهِ مَطْرَدَةُ اَلشَّيْطَانِ»[19] .
ففي الموقف الذي يتربص فيه الشيطان بالإنسان كموارد الشهوات والانفعالات، عليه أن يستحضر الله ليتجاوز الإغراء والإغواء.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾. [سورة الأعراف، الآية: 201].
ونرى في سيرة عليٍّ كيف كان يستحضر الله في كلّ المواقف، خاصة ما تلابسه رغبة أو مصلحة.
تُزوى عنه الخلافة بعد وفاة رسول الله ، وهي حقّه ومقامه، وبإمكانه أن يثور مطالبًا بها، لكنه يستحضر الله تعالى فيجد أنّ الصبر أرضى لله.
حيث جاء عنه : «قَدْ جَرَتْ أُمُورٌ صَبَرْنَا فِيهَا وَفِي أَعْيُنِنَا اَلْقَذَى تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى فِيمَا اِمْتَحَنَنَا بِهِ رَجَاءَ اَلثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ اَلصَّبْرُ عَلَيْهَا أَمْثَلَ مِنْ أَنْ يَتَفَرَّقَ اَلْمُسْلِمُونَ وَتُسْفَكَ دِمَاؤُهُمْ»[20] .
وتُعرض عليه الخلافة بشرط مخالف لالتزامه الديني، فلا يتردّد في رفضها فورًا، فقد عرض عليه عبد الرحمن بن عوف بعد مقتل الخليفة عمر أن يبايعه على العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الشيخين، فامتنع، وقال: على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.
وحينما صرع عمر بن ودّ العامري في وقعة الخندق، تباطأ في قتله، وابتعد عنه مليًا، ثم عاد وأجهز عليه، فسُئل عن ذلك، فَقَالَ: «قَدْ كَانَ شَتَمَ أُمِّي وَتَفَلَ فِي وَجْهِي فَخَشِيتُ أَنْ أَضْرِبَهُ لِحَظِّ نَفْسِي فَتَرَكْتُهُ حَتَّى سَكَنَ مَا بِي ثُمَّ قَتَلْتُهُ فِي اللَّهِ»[21] .
ويكفينا في هذا السياق ما ورد عنه : «وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ»[22] .
