توصيل المطاعم وخطر التحرش (2/2)
وصلتني رسائل وتعقيبات من جهتين مختلفتين، الأولى من صديق يملك مطعما يقوم بخدمة التوصيل حيث عتب عليّ أخي ، وقال بعد عتبه البليغ: كم أتمنى أن تلغى هذه الخدمة ويأتي أصحاب الطلب لاستلام طلبهم، هذا سيوفر جهدا ومالا... و.. و... إلى آخره.
والجهة الثانية هي بعض الأحبة الذين أكثروا من الاستشهاد بالزمن المديد الذي مر عليهم وعلى جيرانهم وهم لم يطلبوا الطلبات التي تصل إليهم بكل سلاسة وعفة واحترام، دون أن تثار حولها كل تلك الضجة التي قد يسببها مقال يرتبط بشأن اجتماعي يقع في دائرة الحاجة الواقعية للمجتمع. الجهتان محل احترام وتقدير، ونقدهما محله القلب وحقه التأمل إن شاء الله، لكني أود القول إنني لم أكتب مقالي من فراغ، بل كتبته لدواع حقيقية سأبتعد عن ذكرها كي لا تثير غبارا يشغل القارئ بالجزئيات ويبعده عن جوهر المقال، وإنما سأتوجه لتلك الجهتين برسائل أرجو أن تكون مقروءة في هدوء وبعيدا عن الانفعال.
سألت صاحب إحدى البوفيات (تقوم بخدمة التوصيل) عن هؤلاء الشباب الذين يعملون معه، فمدحهم وأثنى عليهم، وقال أحد هؤلاء كان في اتجاه غير سوي، فحدثني والده عنه وطلب مني ضمه إلى طاقم التوصيل، وفعلا ضممناه معنا أسبوعين ويعمل دون كلل أو ملل.
يمكن أن تقرأ هذه الشهامة من صاحب البوفية باعتبارها إنسانية ما وراءها إنسانية، وأنا أعتقد أنها كذلك، فمن الضروري أن نهيىء الفرص لعمل أولادنا وأن لا نتركهم للفراغ، لكنني أختلف معه في الموقع الذي وضع فيه هذا الشاب.
إن المسؤولية كبيرة على أصحاب المطاعم والبوفيات التي تقوم بتوصيل الطلبات في أن يختاروا لهذه المهمة من عرفوهم وخبروهم، وأن يدركوا أن هؤلاء سيكونون في دائرة احتكاك مليئة بالعوائل والنساء والأطفال، الأمر الذي يفرض البحث عن معادن طيبة وسلوكيات محمودة، ذات صدقية عالية.
وسبق أن قلت يمكننا استيعاب باقي الشباب في أعمال ليس لها هذا الاحتكاك، كي نكون صادقين مع أنفسنا ومجتمعنا، وتكون أعمالنا كلها له وليس فيها شيء عليه.
أما الذين استشهدوا بالتاريخ الطويل الذي تعاملوا فيه مع طلبات التوصيل دون ضرر، فأود التوضيح: أنني لم إقل أن كل توصيل فيه ضرر، وفي مقالي الأسبوع الماضي أشرت ((بأني لا أعمم، فهناك شباب يقومون بدور التوصيل وهم قمة في الأخلاق والتدين والأمانة)) السبت 16/3/1432.
هناك بعض المناطق آمنة لأنها مأهولة ومسكونة، والناس فيها يعرفون بعضهم بعضا، وهناك مناطق جديدة هي في طور البناء والتعمير، وبعض البيوت فيها تكاد تكون مقطوعة عن الناس، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن قياس الأمان بين المناطق القديمة والجديدة.
التاريخ الطويل من الأمن والأمان لا يجب أن يطرد الحذر، ولا أن يصرفنا عن ملاحظة متغيرات السلوك والحوادث التي طرأت على مجتمعاتنا، والتي نقرأ عنها كل يوم ما يفزعنا ويؤذينا.
بقي أن أشير إلى ضرورة حصر عاملات المنازل (الشغالات الأجنبيات) في إطار أعمال المنزل الداخلية، ومنعهن من الاحتكاك بأي أعمال تتعدى العلاقة مع أصحاب المنزل، والإشارة هذه كافية، لضيق مساحة المقال، فبعضهن (العاملات) كنّ يتآمرنّ مع رجال التوصيل الأجانب ضد أصحاب المنزل.